ج ١٤، ص : ٥٨٨
ويقفوا طويلا عنده، قبل المسارعة بهذا الاتهام من غير تدبر أو نظر ؟..
وقد كان يمكن أن يكون لهذا الإنكار الذي استقبلوا به دعوة النبي ـ وجه من العذر، لو كان النبي طارئا عليهم، غير معروف لهم، أو كان موضع تهمة عندهم من قبل.. وأما وللنبى فيهم مقام كريم، ومعاشرة طويلة، قائمة على الإكبار والإجلال والتعظيم ـ فإن المبادأة بهذا الاتهام مما لا يستقيم على منطق أبدا، ولا يقوم له وجه من العذر بحال أبدا..
وقوله تعالى :« وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى » ـ هو معطوف على المقسم عليه، وهوقوله تعالى :« ما ضَلَّ صاحِبُكُمْ وَما غَوى » ـ أي وما ينطق بما نطق به، عن هوى يترضّى به شهوة من شهوات النفس، أو يتصيد به مطلبا من مطالب الحياة.
وقوله تعالى :« إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحى ».
. أي ما هذا الذي ينطق به صاحبكم هذا، إلا وحي يوحى إليه من ربه، وليس عن هوى متسلط عليه من أهواء النفس.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى :« قُلْ لَوْ شاءَ اللَّهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلا أَدْراكُمْ بِهِ فَقَدْ لَبِثْتُ فِيكُمْ عُمُراً مِنْ قَبْلِهِ أَفَلا تَعْقِلُونَ » (١٦ : يونس)..
وقوله تعالى :« عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوى وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلى.. »
الضمير فى « علمه » بعود إلى جبريل عليه السلام ـ أمين الوحى، وسفير السماء إليه، برسالة ربه، وبكلماته.. وأنه هو الذي أوحى إلى الرسول بهذا العلم الذي تنكرون على « محمد » ما يتلوه عليكم منه..
ومن صفات جبريل ـ عليه السلام ـ أنه « شديد القوى » أي قوىّ أمين