ج ١٤، ص : ٧٥١
بعد هذا البيان المبين الذي عرضت فيه الآيات السابقة بعض ما للّه سبحانه وتعالى من قدرة، وتصريف فى هذا الوجود، وماله من علم يحيط بكل شىء، وينفذ إلى خفايا الصدور، وخوالج النفوس ـ بعد هذا جاءت دعوة اللّه إلى عباده أن يستجيبوا للّه، وأن يؤمنوا به وبرسوله، وأن ينفقوا مما أعطاهم من فضله، وجعلهم خلفاءه فيه ووكلاءه عليه.. وأنه ليس للخليفة، أو الوكيل أن يخالف أمر من استخلفه أو وكله..
فالإيمان باللّه، والولاء له، والتصديق برسوله، هو حق الخالق على المخلوق..
والإنفاق من عطاء اللّه فى سبيل اللّه، هو حق هذا العطاء، ومطلوب الشكر عليه..
ومع أن الإيمان باللّه، والإنفاق من مال اللّه فى سبيل اللّه، هو حق مطلوب أداؤه، وأداء الحقوق، هو إبراء الذمة، لا يستوجب جزاء.. ومع هذا، فقد أوجب اللّه سبحانه على نفسه ـ فضلا وإحسانا ـ أن يجزى على أداء تلك الحقوق جزاء كريما، وأجرا كبيرا.. « فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ » قوله تعالى « وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » بعد أن جاءت تلك الدعوة الآمرة الهاتفة بالإيمان باللّه والإنفاق فى سبيله فى قوله تعالى :« آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ »، وبعد أن أعقب هذه الدعوة هذا الوعد الكريم من اللّه سبحانه وتعالى بالجزاء العظيم، والأجر الكبير لمن يستجيب لها ـ جاءت الآيات بعدها لتناقش هذه الدعوة، ولتلقى أولئك المترددين فى قبولها، لقاء المنكر عليهم موقفهم هذا، المطالب لهم ببيان العلة أو العلل التي تحول بينهم وبين إجابة داعى اللّه الذي


الصفحة التالية
Icon