ج ١٤، ص : ٨١٦
ولكن يبقى بعد هذا ما يقال من أن اللغة لا تساعد على هذا المعنى، إذ يقال عاد إلى كذا أي رجع إليه، بعد أن فارقه، ومنه قوله تعالى :« وَلَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ » (٢٨ : الأنعام) وقد جاء فى سورة المجادلة نفسها قوله تعالى :« أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ » (٨ : المجادلة).. فالعود إلى الشيء، معناه الرجوع إليه، لا الرجوع عنه.
ونقول ـ واللّه أعلم ـ إن العود هنا هو بمعناه اللغوي، وهو الرجوع إلى الشيء.. والشيء المرجوع إليه هنا هو ما قالوه، وهو قولهم :« أنت علىّ كظهر أمي » ورجوعهم إلى هذا القول، هو رجوعهم إليه رجوعا متلبسا بنسائهم اللائي وقع عليهن هذا القول، حيث لا يكون لهذا القول وجه يرى عليه إلّا مع من وقع عليهن الظهار من النساء..
فالظهار، المعروف فى الجاهلية كان يحرّم المرأة على الرجل، ويقطع العلاقة الزوجية بينهما، فإذا ظاهر الرجل من امرأته فلا سبيل إلى الرجوع إليها..
وقد واجه الإسلام هذا الظهار، ولم يعجل بالتعرض له، حتى يقع، فيلقاه بالحكم المناسب.. فلما وقع أول ظهار فى الإسلام، وجاءت المرأة تعرض أمرها على النبي، تنزلت هذه الآيات، فى شأن الظهار، وأنه لا يقطع العلاقة الزوجية قطعا باتّا، وأن على من يريد أن يعيد الحياة إلى حالها الأولى، أن يكفّر عن هذا القول المنكر، بما بينه اللّه سبحانه وتعالى فى آياته البينات..
فقوله تعالى :« ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا » معناه ـ واللّه أعلم ـ ثم يعودون إلى الموضع الذي قالوا فيه هذا القول، حيث يجدون نساءهم