ج ١٥، ص : ١٢٩٠
قالوا : نقول : كاهن!! قال : لا، واللّه ما هو بكاهن، لقد رأينا الكهان، فما هو ـ أي النبي ـ بزمزمة الكاهن ولا سجعه..
قالوا : فنقول مجنون ؟ قال : ما هو بمجنون.. لقد رأينا الجنون وعرفناه، فما هو بخنقه، ولا تخالجه، ولا وسوسته!! قالوا.. فنقول شاعر! قال : ما هو بشاعر.. لقد عرفنا الشعر كله، رجزه، وقريضه، ومقبوضه، ومبسوطه، فما هو بالشعر.. قالوا فنقول : ساحر!! قال : ما هو بساحر، لقد رأينا السحار وسحرهم، فما هو ـ أي النبي ـ بنفثه، ولا عقده! قالوا : فما تقول يا أبا عبد شمس ؟، قال :« واللّه إن لقوله لحلاوة، وإن أصله لعذق وإن أعلاه لجناة، وما أنتم بقائلين من هذا شيئا، إلا عرف أنه باطل، وإن أقرب القول فيه أن تقولوا : إنه ساحر. جاء بقول هو سحر، يفرق بين المرء وأبيه، وبين المرء وأخيه، وبين المرء وزوجه.. فتفرقوا عنه بذلك الرأى، وجعلوا يلقون أهل الموسم على كل طريق، ويقولون لهم : احذروا ساحرنا! وبروى عن ابن عباس، أن الوليد بن المغيرة هذا، جاء إلى النبي صلى اللّه عليه وسلم، يدعوه إلى أن يرجع عن دعوته، وألا يشيع الفرقة والخلاف بين أهله وعشيرته، فتلا عليه النبي آيات من آيات اللّه، فرقّ لها قلب الوليد، وخرج من بين يدى النبي، وكأنه يحدث نفسه بأمر غير الذي جاء به. فبلغ ذلك أبا جهل، فأتاه، فقال : يا عمّ. إن قومك يرون أن يجمعوا لك مالا! قال : لما ذا ؟
قال : ليعطوكه، فإنك أتيت محمدا لتعرض لما قبله (أي لتنال مما عنده من طعام أو نحوه) فقال : لقد علمت قريش أنى من أكثرها مالا! قال :
فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر له، كاره لما يقول! فقال : وما ذا أقول ؟