ج ١٦، ص : ١٥٥٦
رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ »
؟ (٤٠ : النمل) ـ بل إنه يرى أن ذلك الإحسان المسوق إليه من عند اللّه، هو حقّ اقتضاه من اللّه سبحانه، لما يرى فى نفسه من ميزات استحق بها هذا الإحسان دون الناس، فيقول كما يقول أهل الزيغ والضلال، فيما أشار إليه سبحانه وتعالى بقوله :« وَلَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنَّا مِنْ بَعْدِ ضَرَّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَما أَظُنُّ السَّاعَةَ قائِمَةً وَلَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى » (٥٠ : فصلت).
فالإنسان ضعيف أمام سلطان المال، وتسلطه عليه، فإذا لم يحضّ نفسه على مراقبة اللّه، وإذا لم يقم على نفسه وازعا يزعه من غلبة الهوى، استبدت به شهوة المال، وصرفته عن اللّه، وأرته الحياة الآخرة سرابا خادعا، لا ينبغى له أن يدع هذا الحاضر الذي بين يديه، ويتعلق بهذا السراب الخادع الذي لا يدرى ما وراءه!! والإنسان هنا، هو مطلق الإنسان، إلا من عصم اللّه، وهم قليل..
وفى قوله تعالى :« ابْتَلاهُ رَبُّهُ » إشارة إلى أن هذا المال المسوق إلى الإنسان، وتلك النعم التي ملأ اللّه بها يديه، هو ابتلاء وامتحان له من اللّه، يكشف به عن شكره أو كفره، وأن ذلك ليس لميزة امتاز بها على الناس، فكما يبتلى اللّه أولياءه بالمال، يبتلى أعداءه به أيضا، فيعطى كلّا من الأولياء والأعداء ما يشاء.. أما الأولياء فيحمدون، ويشكرون، وأما الأعداء فيزدادون كفرا وعنادا.. واللّه سبحانه وتعالى يقول :« وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنا تُرْجَعُونَ » (٣٥ : الأنبياء)


الصفحة التالية
Icon