ج ١٦، ص : ١٥٥٧
وفى قوله تعالى :« فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ » ـ إشارة إلى أن الابتلاء بالإعطاء والمنح، هو ـ عند من يعرف قدره، ويحسن استقباله ـ فضل وإكرام من اللّه، وإنه لجدير بالعاقل ألا ينزع عن نفسه هذا الثوب الذي كساه اللّه إياه، ويلبس نفسه لباس الشقاء والبلاء..
فالذين أنعم اللّه عليهم من عباده المكرمين بالملك والجاه والمال والسلطان ـ يرون فضل اللّه عليهم، وإحسانه إليهم، فلا يكون همّهم إلا إفراغ جهدهم كله فى القيام بواجب الشكر للّه، والحمد للّه، أن أكرمهم بهذا العطاء، وعافاهم من المنع والحرمان. وفى هذا يقول سليمان عليه السلام :« يا أَيُّهَا النَّاسُ عُلِّمْنا مَنْطِقَ الطَّيْرِ وَأُوتِينا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ، إِنَّ هذا لَهُوَ الْفَضْلُ الْمُبِينُ » (١٦ : النمل).
إنه يهتف من أعماقه، محدّثا بنعمة اللّه عليه، داعيا الناس أن يشهدوا عليه، وهو بين يدى نعم اللّه السوابغ عليه، وأنه إذا لم يقم فى مقام الشاكرين للّه، فليعدّوه جاحدا، بل وليخرجوا عن سلطانه الذي مكن اللّه سبحانه وتعالى به على الناس.. ويقول سليمان فى موضع آخر، وقد رأى عرش ملكة سبأ ما ثلا بين يديه :« هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ ؟ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّما يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ » (٤٠ : النمل).
هكذا النفوس الكريمة الطيبة، تستقبل الإحسان بالإحسان، وتتلقىّ الخير بالخير..
بل إنها لتضيق بالإحسان، وتراه حملا ثقيلا عليها، إذا هى وجدت ضعفا عن القيام بشكره.. يقول الشاعر مخاطبا أحد ممدوحيه الذين أضعفوا عطاياهم له، وأضفوا إحسانهم عليه.. يقول :
لا تسدينّ إلىّ عارفة حتى أقوم بشكر ما سلفا
أنت الذي جللتنى مننا أوهت قوى ظهرى فقد ضعفا


الصفحة التالية
Icon