ج ١٦، ص : ١٥٥٨
وهذا وإن كان شعرا، وكان للخيال منه مكان ـ فإنه يقوم على أصل أصيل من مشاعر الفطرة الإنسانية السليمة، التي لم يفسدها الهوى، ولم يغلبها الطبع الحيواني المتوحش الكامن فى الإنسان..
فالمال نعمة من نعم اللّه، وإحسان من إحسانه، وإنه لمن الغبن لمن أنعم اللّه به عليه، بفضله وإحسانه، أن يشترى به عداوة اللّه، وأن يفتح به إلى جهنم بابا من أبوابها!! فالمال نعمة، يمكن أن ينال بها العاقل طيبات الحياة الدنيا، وحسن ثواب الآخرة..
ولكنه حين يقع ليد الأغبياء المغرورين، يكون عليهم وبالا، وشقاء، فى الدنيا والآخرة جميعا.. وفى « قارون » شاهد عبرة وعظة! وقوله تعالى :« وَأَمَّا إِذا مَا ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهانَنِ »..
قدر عليه رزقه : أي ضيّقه عليه، ولم يوسع له فيه، بالنسبة لما يراه فى غيره من الناس..
وفى هذه الحال يحاجّ هذا الإنسان الغافل الكفور ـ يحاجّ ربّه، ويلقاه متسخطا متبرما، متّهما خالقه بأنه لم يعرف قدره، ولم يؤد له ما هو جدبر به، وأنه ليس أقلّ من فلان، وفلان، من أصحاب الغنى والثراء!! وهذا ضلال مود بأهله، ومورد إياهم موارد التهلكة..
فالامتحان بالفقر، والضيق، والشدة، كالامتحان بالغنى، والثراء والنعم.
فإذا كان الامتحان بالغنى يضع الإنسان أمام شهوات عارمة، وأهواء غالبة،