ج ١٦، ص : ١٦٠٠
يقول الأستاذ الإمام محمد عبده :« وليس فى نسق السورة ما يشير إلى أن المشركين أو غير هم بغرض من الخطاب.. ومن أين كان للمشركين أن يعلموا فترة الوحى، فيقولوا أو يطعنوا، ولكن ذلك كان شوق النبي ـ صلى اللّه عليه وسلم إلى مثل ما رأى وما فهم عن اللّه، وما ذاق من حلاوة الاتصال بوحيه.. وكل شوق يصحبه قلق، وكل قلق يشوبه خوف »..
وهذا ما نقول به، ونرضى عنه.. وقد ورد أن النبي صلى اللّه عليه وسلم سأل جبريل، لم لا يداوم الاتصال به ويكثر من الوحى إليه، فنزل قوله تعالى :« وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ.. » (٦٤ : مريم) وقوله تعالى :« ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى » هو المقسم عليه، وهو أن اللّه سبحانه لم يودع النبي، وداعا لا لقاء بعده، بل إن اللّه معه، فى كل لحظة من لحظات حياته، ومع كل نفس من أنفاس صدره.
وأن انقطاع الوحى فى تلك الفترة لم يكن عن قلى وهجر من اللّه سبحانه وتعالى له، فهو الحبيب إلى ربه، المجتبى إليه من خلقه..
وفى توكيد الخبر بالقسم، مزيد من فضل اللّه ورحمته، للنبى الكريم، ورفع لمنزلة النبىّ عند ربّه، حتى لينزل منزلة الحبيب من حبيبه.
وقوله تعالى :. « وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولى » الآخرة، خاتمة أمر النبي مع النبوة، والأولى، مبدأ أمره معها..
أي أن آخرة أمر النبي مع رسالته، خير من أولها.. فإذا بدأت رسالته بهذا العناء المتصل، الذي واجهه من عناد قومه، ومن تأتيهم عليه، وتكذيبهم له، وملا حقته هو والمؤمنون معه بالأذى، والضر، وبالحرب والقتال ـ فإن خاتمة هذه الرسالة ستكون نصرا مؤزّرا له، وفتحا عظيما الدعوة، وخزيا وإذ لا لا للضالين المعاندين..


الصفحة التالية
Icon