ج ١٦، ص : ١٦٢٩
الذي ينهى عبدا عن الصلاة، ويحول بينه وبينها ؟ ثم أرأيت لو أنه كان فى موقف آخر غير هذا الموقف، فكان قائما على طريق الهدى، مؤمنا بربه، مواليا له، آمرا بالبر والتقوى بدلا من نهيه عن البر والتقوى ؟ فاىّ حاليه كان خيرا له وأهدى سبيلا ؟ أحال الضلال، والعمى، والصد عن سبيل اللّه، أم حال الاستقامة والهدى والدعوة إلى اللّه ؟ وشتان بين الظلام والنور، والشر والخير، والكفر والإيمان! وقوله تعالى :
« أَرَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى ».
أي ثم ماذا ترى من حال هذا الضال، وقد أبى أن يكون على الهدى أو يأمر بالتقوى، بل كذب بآيات اللّه، وتولى معرضا عمن دعاه إلى اللّه، ورفع لعينيه مصابيح الهدى ؟ فأى إنسان هذا ؟ وبأى نظر ينظر، وبأى عقل يفكر ويميز بين الخير والشر ؟ « أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى » ؟ أسفه نفسه حتى أنكر أن لهذا الوجود إلها قائما عليه، يعلم خائنة الأعين وما تخفى الصدور ؟ ألا يخاف بأس اللّه ؟ ألا يخشى عقابه ؟
وقوله تعالى :
« كَلَّا.. لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ ناصِيَةٍ كاذِبَةٍ خاطِئَةٍ ».
هو ردّ على هذا السؤال فى قوله تعالى :« أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللَّهَ يَرى ».
وكلا، إنه لا يعلم بأن اللّه مطلع على كل شىء، ولو كان يعلم هذا علما مستيقنا لخاف ربه وخشى بأسه، ولكن ضلاله أعمى قلبه، وأظلم بصيرته، فلم يرى جلال اللّه، ولم يشهد عظمته، ولم يخش بأسه! وقوله تعالى :« لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعاً بِالنَّاصِيَةِ » هو وعيد وتهديد لهذا الضال