ج ٢، ص : ٤٧٦
وما الذي أوردهم هذا المورد الوبيل، فيقال لهم :« وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ » أي أن هؤلاء الذين يتقلبون فى النار، إنما هم من الذين ظلموا أنفسهم، بأن حجبوها عن الإيمان، وسبحوا بها فى ظلمات الكفر والضلال، فهم إذن ظالمون. « وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ ».
ولن ينال رضا اللّه، وينعم بنعيم جناته إلّا من رضى عنه وأحبّه! ومما يسأل عنه فى هاتين الآيتين : كيف جاء الوعيد للذين كفروا فى صيغة المتكلم فى قوله تعالى :« فَأُعَذِّبُهُمْ » على حين جاء الوعد للذين آمنوا فى صيغة الغائب فى قوله سبحانه :« فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ ».
والجواب، هو أن الذين كفروا لم يؤمنوا باللّه، بل ولم يعترفوا بوجوده، ومن هنا فإنهم لا يعرفونه، ولا يتصورون له وجودا.. فكان من المناسب لتلك الحال أن يسمعهم اللّه صوته، وأن يواجههم بالجريمة التي اقترفتها أيديهم، ويلقاهم بالعذاب الذي هم أهل له.. وهذا أبلغ فى إلفات الكافرين إلى ما هم فيه من غفلة وضلال، إذ يرون عذاب اللّه عيانا، فى هذا النذير الذي ينذرهم اللّه مواجهة به، « وَبَدا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ » (٤٧ : الزمر) أما المؤمنون فشأنهم مع اللّه على غير هذا.. إن اللّه معهم دائما يملأ قلوبهم، ويعمر حياتهم، ويرون قدرته وحكمته فى كل ما تتصل به حواسهم، أو يتصوره خيالهم.. ومن ثم فإن ما بينهم وبين اللّه من معرفة لا يحتاج إلى إعلان.. إنهم آمنوا باللّه عن غيب، وصدّقوا ما جاءهم به الرّسل من عند اللّه، فكان من المناسب لحالهم تلك أن يخاطبوا من اللّه بصيغة الغيبة.. تلك الغيبة التي هى حضور جلىّ فى قلوبهم، وظهور باد فى كل ما أبدع اللّه وصوّر!


الصفحة التالية
Icon