ج ٤، ص : ١٢٩
سبحانه إلى النّاس، فإنهم يمترون فى اللّه، ويشكّون فى وجوده، أو فى قدرته، أو فى البعث والجزاء.. إلى غير ذلك مما هم فيه مختلفون.
وقوله سبحانه :« وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّماواتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ » هو استعراض لقدرة اللّه وعلمه، وأنه هو الإله الخالق للسموات والأرض، والمالك لهما، والمتصرف فيهما، لا يملك أحد معه شيئا، ولا لأحد معه تصريف فى هذا الوجود..
وإذ كان اللّه على تلك الصفة، فإنّه يعلم بعلمه كل شىء فى هذا الوجود، ظاهره وباطنه، جليّه وخفيّه.. « أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ » (١٤ : الملك).
والإنسان صنعة اللّه.. خلقه من طين، وتنقل به من خلق إلى خلق، حتى صار هذا الكائن البشرى، العاقل، المدرك ـ أفيخفى على اللّه من أمره شى ء ؟ وكيف وقد صنعه بيده، ورباه ونشّأه، وأمسك عليه حياته، وعدّ عليه أنفاسه، وأحصى نبضات قلبه ؟ ألا يعلم الإنسان كل خافية من صنعة صنعها، أو مخترع اخترعه ؟ فكيف بعلم اللّه الذي علّم الإنسان ما لم يعلم ؟
وفى هذا الاستعراض لعلم اللّه وقدرته استدعاء للإنسان الشارد عن اللّه، الغافل عن ذكره، المستخفّ بشرائعه ـ أن يعود إلى اللّه، وأن يخشاه، ويتقى محارمه، حيث يرى اللّه كلّ ما يعمل، ويعلم ما يخفى وما يعلن..
وقوله تعالى :« وَما تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آياتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كانُوا عَنْها مُعْرِضِينَ » هو تشنيع على الكافرين، وإعراض عنهم، حيث أعرضوا عن اللّه، واستخفّوا بآياته، ومكروا بها.. ولهذا لم يخاطبهم اللّه خطاب حضور، بل أنذرهم إنذار غيبة، لأنهم مبعدون من رحمة اللّه، غائبون بوجودهم عنه، مشغولون بأهوائهم وضلالاتهم عن ذكره.