ج ٤، ص : ١٤١
المخلوقات ويطعمها، ويمدّها بما يحفظ وجودها، دون أن يكون لهذا مقابل..
وإنما هو فضل وكرم من ربّ العالمين، المستغنى عن كلّ عون، الغنىّ عن كل مخلوق.. وكيف لمن كان مصدر العطاء أن يكون محتاجا إلى عطاء ؟
وكيف لمن يستمدّ منه العون أن يكون محتاجا إلى معين ؟ تعالى اللّه عن ذلك علوّا كبيرا.
وقوله سبحانه :« قُلْ إِنِّي أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَسْلَمَ » هذا ما أمر به النبىّ من ربّه، وهو أن يكون أول من أسلم وجهه للّه، وأول من ألقى بنفسه بين يديه، ووالاه.. إذ كان صلى اللّه عليه وسلم ـ هو مفتتح دعوة الإسلام، وحامل رسالتها إلى المسلمين، فكان أول من آمن بها، واستقام على هديها.. وذلك بعد أن استدلّ على خالقه بتفكيره فى خلقه، وأنكر أن يتحذ وليّا من دونه، وهو الذي فطر السموات والأرض.. وهو الذي يطعم ولا يطعم، فإذا جاءت دعوة اللّه تعالى إليه صادفت تلك الدعوة قلبا مستقبلا لها..
والأمر هنا، هو الدعوة إلى الإيمان باللّه، من اللّه، وإلى نبى اللّه، وليس فى هذا الأمر إلزام ولا قهر، ولكن النبىّ الكريم فى استجابته لربّه، وفى مبادرته إلى الاستجابة، واحتفائه بها، وشدّ نفسه إليها، وعقد قلبه عليها كل أولئك قد جعل الدّعوة الإلهية أمرا يتلقّاه النبىّ بكيانه كله، ويعطيه كل ما قدر عليه من قوة وعزم.
وقوله تعالى :« وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ » هو عطف على الأمر المفهوم من قوله تعالى :« أُمِرْتُ » أي أن اللّه سبحانه وتعالى أمرنى بأن أكون أول من أسلم، فقال لى : كن أول من أسلم، ونهانى عن أن أشرك به فقال لى : ولا تكوننّ من المشركين..
وقوله تعالى :« قُلْ إِنِّي أَخافُ إِنْ عَصَيْتُ رَبِّي عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ »


الصفحة التالية
Icon