ج ٦، ص : ١٢١١
التفسير :
قوله تعالى :« فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ ».
مناسبة هذه الآية لما قبلها، أن الآيات السابقة جاءت آمرة بمعروف، وناهية عن منكر، ومنبّهة إلى أن فيما أمرت به ونهت عنه، ذكرى لمن يعقل، ولا يغفل عن مواقع العبرة والعظة.
ولما كان فى طبيعة الناس الغفلة عن مواقع الخير، وهم لهذا يحتاجون دائما إلى من يقوم فيهم مذكّرا لهم، آمرا بالخير، ناهيا عن المنكر ـ فقد جاء قوله تعالى :« فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ » ـ ناعيا على الأمم السالفة التي أهلكها اللّه سبحانه بظلمها وضلالها، أنها لم يكن فيها دعاة خير، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقفون بجوار أنبيائهم، يشدون أزرهم، ويشيعون فى الناس دعوتهم، ويسدون على السفهاء نوافذ العدوان على الأنبياء وأتباع الأنبياء.
ـ وفى قوله تعالى :« فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ » إنكار لما كان عليه أهل القرون الماضية، من فقدان أهل الخير بينهم، ودعاة الإصلاح فيهم.. وتحريض للمسلمين ألا يكونوا كهؤلاء الأقوام، بل يقوم من بينهم دعاة هدى وإصلاح، كما يقول اللّه سبحانه وتعالى :« وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ » (١٠٤ : آل عمران)، وبهذا تقوى جبهة المؤمنين، ويشتد ركن الإيمان، وينفتح للناس الطريق إلى الهدى، والنجاة من عذاب اللّه.
ـ وقوله تعالى « أُولُوا بَقِيَّةٍ » أي أصحاب دين وإيمان، يعملون لما يبقى لهم عند اللّه فى الآخرة، ومنه قوله تعالى :« بَقِيَّتُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ » أي ما يبقى لكم


الصفحة التالية
Icon