ج ٦، ص : ١٢١٢
عند اللّه.. فأصحاب البقية، هم العقلاء الراشدون، الذين لا تلهيهم دنياهم عن آخرتهم..
وقوله تعالى :« إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ » هو استثناء من النفي الواقع على أهل القرون الغابرة.. فقد كان فيهم جماعات قليلة استجابوا لدعوة اللّه، وآمنوا به، ودعوا إلى اللّه، كما كان من الرجل الصالح من قوم فرعون.. أما كثرتهم فكانت تموج فى غيّها وضلالها، فلم يكن لأصحاب الدعوات فيهم من يسمع أو يجيب، إذ كانت تضيع أصواتهم وسط هذه الأمواج الهادرة من الغى والضلال.. وقد نجى اللّه سبحانه هؤلاء القلة المؤمنين، من هذا البلاء الذي أخذ به أقوامهم، الذين قاموا على ما هم فيه من ضلال..
قوله تعالى :« وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَكانُوا مُجْرِمِينَ »..
إشارة إلى أن أهل المنكر قد غلبوا على أهل الخير والصلاح فيهم، فلم يلتفتوا إليهم، ولم ينتفعوا بنصحهم، فمضوا على ما هم فيه من ضلال، وغرقوا فيه من إلى أذقانهم، وأترفوا فيه، أي جعلوه نعيمهم فى الدنيا، وحظهم منها..
ـ « وَكانُوا مُجْرِمِينَ » أي كانوا أهل إجرام وفجور، وبغى وعدوان.. ولذلك أهلكهم اللّه.. ولو استقاموا على طريق الحق، ما نزل بهم ما نزل من نقم اللّه عليهم.. كما يقول سبحانه بعد ذلك :
« وَما كانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرى بِظُلْمٍ وَأَهْلُها مُصْلِحُونَ ».
. أي أن اللّه سبحانه، إنما أهلك القرى التي أهلكها بسبب ما كان من أهلها من ظلم وكفر وضلال.. وقد جرت سنة اللّه ألّا يغير نعمة أنعمها على قوم حتى يغيروا ما بأنفسهم، كما يقول سبحانه :« ذلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ » (٥٣ : الأنفال).


الصفحة التالية
Icon