ج ٦، ص : ٩٧٤
ولا كاتب، ولا متحدث إليهم بأى حديث مما يحدثهم به الآن من كلام اللّه الذي أوحى به إليه، بعد هذا العمر الطويل، الذي عاش فيه مع نفسه، منقطعا إلى ربه! ولكن هكذا شاء اللّه لمحمد أن يكون مستقبل وحيه، ومتلّقى كلماته، ومبلّغ آياته..
ولو شاء اللّه غير هذا لكان، فلم يكن محمدا رسولا، ولا مبلغ رسالة، ولا مسمعا الناس هذا الذي سمعوه منه من آيات اللّه.
فمن نظر فى حال محمد قبل الرسالة وبعدها، ومن طالع وجوه هذه الآيات السماوية التي نزلت عليه، لم يقم عنده أدنى شك فى أن محمدا هو رسول اللّه، وأن ما يحدّث به عن اللّه هو من عند اللّه، ومن كلمات اللّه.. ذلك مع صرف النظر جانبا عما فى آيات اللّه نفسها من دلائل الإعجاز، التي تشهد بأنها ليست من قول بشر، وأنها من كلام رب العالمين.
قوله تعالى :« فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللَّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ ».
فتراء الكذب على اللّه، هو اختلاق القول عليه، وتقوّل الأحاديث عنه، بإيرادها ابتداء، أو بالتبديل والتحريف فيها..
فأظلم الظالمين من يجرؤ على ركوب هذا المركب المهلك فيتقول على اللّه، ويفترى الأحاديث عليه..
وأظلم الظالمين من يرى آيات اللّه، ويستمع إليها.. ثم يكذب بها، ويصم أذنيه عنها، ويغلق عقله وقلبه دونها..