ج ٦، ص : ٩٨٣
والسّلامة، ويأخذ كل واحد من الركب وجهته، ثم لا يعود يذكر للّه شيئا ممّا صنع به.. وإذا هو فى ضلاله القديم.. مشرك باللّه، كافر بنعمائه! ـ وفى قوله تعالى :« هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ » إشارة إلى تلك النّعم التي سخّرها اللّه للناس، فى انتقالهم من بلد إلى بلد، ومن قطر إلى قطر، على مراكب البر والبحر.. فى اختلاف أشكالها وأنواعها.
ـ وفى قوله تعالى :« حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ وَجاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ » عرض لحالة من أحوال السفر التي تعرض أحيانا لراكب البحر.. وقد ذكرها القرآن الكريم هنا، ليكشف بها عن حال من أحوال الذين يكفرون بآيات اللّه، ويجحدون ما يسوق إليهم من نعم..
وقد جاء النظم القرآنى فى قوله تعالى :« وَجَرَيْنَ بِهِمْ » بنون النسوة التي هى للعقلاء، مستعملا إياها للفلك، وهى غير عاقلة، وكان المتوقع أن يجىء التعبير هكذا :« وجرت بهم ».
. وفى هذا ما يشير إلى أن الفلك، وهى تجرى فى ريح طيبة، وعلى ظهر بحر ساكن ساج، قد كان لها سلطان على هذا البحر، تغدو وتروح عليه كيف تشاء، وتتصرف كما تريد.. حتى لكأنها ذات عقل مدبّر، وإرادة نافذة.
وفى النظم القرآنى أيضا :« وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ » ولم يجىء النظم هكذا :« وجرين بهم فى ريح طيبة ».
. وذلك ليدل على أن الريح هى التي تحرك الفلك وتدفعها، فالباء هنا باء الاستعانة، التي تدخل على الأداة التي يستعان بها على العمل، كما يقال : كتبت بالقلم، وانتقلت بالقطار.. وهذا ما لا يفيده حرف الجرّ « فى ».
. الذي يجعل الريح ظرفا يحتوى السفينة من جميع جهاتها، ولا يدفع بها إلى جهة ما..