ج ٦، ص : ٩٨٤
ـ وفى قوله تعالى :« حَتَّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ »..
اختلف النظم، فى قوله سبحانه :« وَجَرَيْنَ بِهِمْ » فجاء على غير ما يقتضيه السياق.. وجىء بضمير الغائب، بدلا من ضمير الحضور.. هكذا :
« وجرين بكم »..
فما سرّ هذا ؟
تتحدث الآية الكريمة عن نعمة عامة شاملة من نعم اللّه، وهى تسيير الفلك فى البحر، كما يقول تعالى :« وَالْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ » (٦٥ : الحج) وكما يقول جل شأنه :« وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعامِ ما تَرْكَبُونَ لِتَسْتَوُوا عَلى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنا هذا وَما كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ » (١٢ ـ ١٣ :
الزخرف).
وهذه النعمة، لا يكفر بها الناس جميعا، وإنما يجحدها ويكفر بها من لا يؤمن باللّه.. وهم الذين ذكرهم القرآن الكريم بضمير الغائب، بعد أن جاء التّذكير بالنعمة موجّها إلى الناس جميعا ـ ومنهم هؤلاء الكافرون ـ فى مواجهة وحضور.. وبهذا عزل الكافرون عن المجتمع الإنسانى، وأبعدوا من مقام الحضور، وحسبوا غائبين، لا وجود لهم.
ـ وفى قوله تعالى :« إِذا هُمْ يَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ».
أولا :« إذا » الفجائية هنا، تنبىء عن أن هؤلاء الكافرين، لم يمسكوا بتلك المشاعر المتجهة إلى اللّه، والضارعة إليه، حين مسّهم الضر فى البحر، إلا ريثما تلقى بهم الفلك إلى البرّ، حتى إذا مسّت أقدامهم اليابسة انفصلوا عن تلك المشاعر، وتخفّفوا منها، ورجعوا مسرعين إلى ما كانوا فيه من كفر وضلال وعناد.