ج ٧، ص : ١٠٠
والذين عميت أبصارهم عن هذه الآيات، فلم يروا منها شيئا يهديهم إلى اللّه ـ هما عالمان متضادان.. هؤلاء مبصرون، وأولئك عمى لا يبصرون! والاستفهام فى الآية الكريمة مراد به التقريع والتسفيه لأهل الشرك والضلال، الذين عميت بصائرهم عن التهدّى إلى الحق، على ضوء ما تلا عليهم الرسول الكريم من آيات اللّه..
ـ وفى قوله تعالى :« إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ » هو تنويه بالمؤمنين الذين قادتهم عقولهم إلى الحق، فعرفوا اللّه، وآمنوا به، كما أنه تعريض بالمشركين واتهام لهم بالسّفه، والغفلة، وأنهم ليسوا من أصحاب العقول العاملة المبصرة! قوله تعالى :« الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلا يَنْقُضُونَ الْمِيثاقَ » هو صفة لأولى الألباب، أصحاب العقول المبصرة، والبصائر المدركة..
وعهد اللّه الذي يوفون به، هو كل عهد يقطعونه على أنفسهم للّه، أو للنّاس، وقد جعلوا اللّه كفيلا عليهم فيما أعطوا من عهد.. فالمؤمنون باللّه حقّا هم الذين إذا أعطوا مثل هذا العهد من أنفسهم، برّوا به ووفوا، وأبى عليهم إيمانهم، وولاؤهم للّه أن يعطوا عهدا باسمه، ثم يغدروا به وينقضوه، فذلك مما لا يتفق مع الولاء للّه، والإكبار لذاته، فضلا عن أنه حطّة بالكرامة الإنسانية، وإزراء بقدر الإنسان، وإسقاط لمروءته. وفى هذا يقول اللّه تعالى :« وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا.. إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ » (٩١ : النحل) وأما الميثاق الذي لا ينقضونه، فهو الميثاق الذي أخذه اللّه سبحانه وتعالى على أبناء آدم وهم فى عالم الأرواح، كما يقول سبحانه وتعالى « وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قالُوا بَلى شَهِدْنا » (١٧٢ : الأعراف) وهذا الميثاق الذي أخذه اللّه على أبناء آدم، هو