ج ٧، ص : ١٠١
ما أودع فيهم من فطرة سليمة، من شأنها أن تتهدّى إلى اللّه، وتعرف طريقها إليه، وتؤمن به، لو أنها تركت وشأنها، دون أن يدخل عليها ما يفسدها، من وساوس الشيطان، وغوايات المغوين، وضلالات المضلّين.
وهذا ما يشير إليه قول الرسول الكريم :« ما من مولود إلا يولد على الفطرة، وإنما أبواه هما اللذان يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسّانه » ثم بعد هذا الميثاق، جاء ميثاق آخر يؤكده، ويذكّر به، وهو دعوة الرسول لهم إلى الإيمان باللّه، وأخذه الميثاق عليهم، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى :« وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمِيثاقَهُ الَّذِي واثَقَكُمْ بِهِ إِذْ قُلْتُمْ سَمِعْنا وَأَطَعْنا » (٧ : المائدة) فنعمة اللّه هنا هى الرسول الذي جاءهم بكتاب اللّه إليهم، والميثاق هو ما أخذه الرسول عليهم عند بيعتهم له على الإيمان، حين قالوا :
« سمعنا وأطعنا » وإلى هذين الميثاقين ـ ميثاق اللّه، وميثاق الرسول ـ يشير اللّه سبحانه وتعالى بقوله :« وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » (٨ : الحديد).. ففى هذه الآية ينكر اللّه سبحانه وتعالى على المتوقفين عن الإيمان، أو المعرضين عنه، هذا الموقف..
إذ ما كان لهم أن يترددوا فى الإيمان باللّه، أو يعرضوا عن الإيمان به، ورسول اللّه يدعوهم إلى اللّه، ويذكرهم به، ويقدم لهم بين يديه كتابا من عنده.. هذا إلى الميثاق الذي أخذه اللّه عليهم من قبل وهم فى عالم الأرواح، وهذا الميثاق هو الفطرة المودعة فيهم، وهى وحدها كانت كافية لأن يتعرفوا إلى اللّه ويؤمنوا به، إن كانت هذه الفطرة قد بقيت سليمة فيهم، مهيأة لقبول الإيمان :« إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ » أي إن كنتم ما زلتم على فطرتكم التي فطركم اللّه عليها.


الصفحة التالية
Icon