ج ٧، ص : ١٥٨
إلّا بشرا مثلهم كما يقول تعالى :« وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ » ! ـ « تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونا عَمَّا كانَ يَعْبُدُ آباؤُنا » ـ وتلك هى التهمة الثانية، وهى، أن الرسل يريدون أن يخرجوا بالقوم، عما كان عليه آباؤهم من ضلال وكفر.. وتلك هى قاصمة الظهر عندهم.. وفى هذا يقول اللّه تعالى على لسان قوم صالح :« قالُوا يا صالِحُ قَدْ كُنْتَ فِينا مَرْجُوًّا قَبْلَ هذا أَتَنْهانا أَنْ نَعْبُدَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا ؟ » (٦٢ : هود).. وبقول سبحانه على لسان أصحاب مدين :
« قالُوا يا شُعَيْبُ أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا » (٨٧ : هود).
ـ « فَأْتُونا بِسُلْطانٍ مُبِينٍ ».
. وبعد هذا الاتهام، يجىء التحدّى، بطلب المهلكات التي أنذروا بها، واستعجال العذاب الّذى حذّروا منه!.
والسلطان المبين. هو الحجة القاطعة، التي تسقط أمامها كل حجة! « قالَتْ لَهُمْ رُسُلُهُمْ إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ.. وَلكِنَّ اللَّهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ.. وَما كانَ لَنا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ.. وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ »..
ولم يكن للرسل أن يقولوا لأقوامهم غير هذا، ولا أبلغ ولا أقطع من هذا..
إنهم بشر.. مثل أقوامهم.. فما الذي فى هذا، مما ينكره المنكرون ؟
وإنه الحسد لهؤلاء الرسل ـ وهم بشر مثلهم ـ أن يكونوا سفراء بين اللّه وبين الناس.. ولما ذا يختارهم اللّه دونهم ؟.. وهذا ما يشير إليه قوله تعالى على لسان مشركى قريش فى إنكارهم على النبي أن يكون هو المصطفى لرسالة اللّه إليهم :« وَقالُوا لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ ؟ » وقد ردّ اللّه عليهم بقوله سبحانه :« أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ؟ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَرَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ » (٣١ ـ ٣٢ : الزخرف).