ج ٧، ص : ١٧٢
الصافي، والهواء النقي، والعزلة الزاهدة.. بعيدا عن غبار الأرض، وصخبها وضوضائها.. ثم إن النخلة من جهة ثالثة أكثر الشجر المثمر جودا وعطاءا..
يؤكل ثمرها رطبا ويابسا، وعلى أصول شجره، ومختزنا، من غير أن يلحقه العطب، أو يسرع إليه التلف.. ثم من جهة رابعة.. لا شىء من النخلة إلا وفيه نفع وخير.. خوصها، وجريدها، وليفها، وعرجونها، وكربها.. فهى من أخمص قدمها إلى قمة رأسها، منافع متصلة، يمكن أن تقوم عليها وحدها حياة الإنسان، مستغنيا بها عن كل شىء.. ولعلّه من أجل هذا كانت النخلة من نبت الصحراء، حتى يكون ما فيها من ثراء وغنى، تعويضا لما فى الصحراء من جدب وفقر! ولعل فى قول رسول اللّه ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ :
« أكرموا عماتكم النّخل فإنهن خلقن من طينة آدم » ـ لعل فى هذا القول ما يكشف عن وجه من وجوه الإعجاز النبوىّ، وأنه كما قال اللّه سبحانه وتعالى فيه :« وَما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى »، إذ يلتقى قوله هذا مع قوله تعالى :« ومَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ » دالّا على الشجرة الطيبة، ومشيرا إليها..
والسؤال هنا هو : إذا كانت الشجرة الطيبة ـ نخلة كانت أو ما يشبهها ـ على تلك الصورة من الرسوخ والثبات، والعلوّ، وعلى تلك الصفة من البركة والنفع، فأين ما فى الكلمة الطيبة من هذا كله ؟ وقبل هذا السؤال، سؤال آخر.. وهو : ما هى الكلمة الطيبة، التي شبهت بالشجرة الطيبة.. ؟
نقول : إن الكلمة الطيبة هى كل كلمة جاءت من واردات الحقّ والخير..
فكل كلمة تتسم بتلك السّمة، وتحمل ضوءة من أضواء الحق، ونفحة من نفحات الخير، هى من الكلم الطيب..
والكلم الطيب كثير : لا يكاد يحصر.. تختلف أشكاله، وتتعدد صوره، وتكثر أو تقلّ معطياته.. كما أن الشجر الطيب كثير، تتنوع ثماره، وتختلف