ج ٨، ص : ٤٤٦
ثم سلط اللّه على المملكتين من يضربهما الضربة القاضية، ويقضى عليهما القضاء التام ـ فقام الأشوريون فى عام (٨٥٣ ق. م) وقضوا على مملكة إسرائيل، وضموها نهائيا إلى أشور، وقضوا على كل وجود للشخصية الإسرائيلية حيث وقع معظمهم تحت القتل، ومن نجا منهم من القتل، وقع فى الأسر، وأصبح سلعة تباع فى الأسواق..
ولما ورث البابليون دولة الأشوريين فى العراق، فعلوا فى مملكة « يهوذا » ما فعله الآشوريون فى مملكة « إسرائيل ».
ففى سنة (٥٨٦ ق. م) غزا البابليون مملكة « يهوذا » بقيادة ملكهم بختنصر، واستولوا عليها، ودمّروا الهيكل، وقادوا القوم ورؤساءهم أسرى..
وهكذا أصبحت مملكة سليمان كلها تحت الحكم البابلي، أو الأسر البابلي.
وعلى هذا يمكن أن نقول إن هذا الأسر البابلي هو الذي يشير إليه قوله تعالى :« فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَكانَ وَعْداً مَفْعُولًا ».
فهذا الحدث هو أقرب وأبرز بلاء وقع على بنى إسرائيل، بعد أن أفسدوا فى الأرض وعلوا علوّا كبيرا..
وليس يعترض على هذا بأن « بختنصّر » لم يكن من المؤمنين باللّه، وإذن فلا يصحّ أن ينسب إلى اللّه. فى قوله تعالى :« عِباداً لَنا » فإن بختنصر ـ إذا صحّ أنه لم يكن مؤمنا باللّه ـ ليس إلا عبدا من عباد للّه، فالناس جميعا ـ مؤمنهم وكافرهم ـ هم عبيد اللّه. واللّه سبحانه وتعالى يقول :« إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً » (٩٣ : مريم).
ويقول سبحانه لإبليس ـ لعنه اللّه ـ :« إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ. إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ » فقد أضاف اللّه سبحانه الناس جميعا إليه.. هكذا :« عبادى ».
. ومن عباده هؤلاء الغاوون.