ج ٨، ص : ٦٣١
التفسير :
قوله تعالى :« وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا »..
مناسبة هذه الآية لما قبلها، هى أن الآيات السابقة قد عرضت الناس بين يدى اللّه يوم القيامة، فإذا هم مؤمنون، وكافرون.. مؤمنون قد آمنوا باللّه، واستجابوا لدعوته على يد رسله، وكافرون قد خرجوا عن أمر اللّه، وعصوا رسله.. وهنا صورة فى الملأ الأعلى، تشبه هذه الصورة التي وقعت فى الأرض..
حيث جاءت دعوة اللّه إلى الملائكة أن يسجدوا لآدم، فسجدوا امتثالا لأمر اللّه.. ولكن كائنا من كائنات الملأ الأعلى قد غلبت عليه شقوته، ففسق، أي خرج عن أمر ربّه، وأبى أن يسجد!! فطرده اللّه من الملأ الأعلى، وألقى به إلى العالم الأرضى، صورة للتمرد والعصيان، ودعوة من دعوات الإغواء والإفساد والفسوق عن أمر اللّه، إلى جانب الدعوة التي يحملها رسل اللّه إلى الناس بالهدى والإيمان..
وفى قوله تعالى :« أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ؟ » تحذير للناس من هذا العدوّ، الذي لعنه اللّه وطرده من رحمته ـ تحذير لهم من أن ينقادوا له، فمن انقاد له فقد فسق، أي خرج عن أمر ربّه، كما فسق هذا الرجيم الملعون عن أمر ربّه، وكان وضعه فى المجتمع الإنسانى المؤمن، كوضع إبليس من الملائكة..
ـ وفى قوله تعالى :« بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا » إشارة إلى هذا الخسران المبين الذي لحق أهل الضلال الذين استغواهم الشيطان فغووا، وخيّروا بين الهدى