ج ٨، ص : ٦٣٨
فى الوحل، ثم يجىء من يمدّ يده إليه لاستنقاذه، بعد أن يكشف له الحال الذي هو فيه، فيأبى أن يسمع، ويمتنع أن يجيب!.
وانظر إلى تلك المنّة العظيمة، بإضافة هذا الإنسان الجحود، إلى « ربّه » واستدعائه إليه باسمه تعالى : وبآلائه التي يضفيها عليه، وهو يأبى إلا نفورا، وإلا إمعانا فى الكفر والضلال!.
ـ وفى قوله تعالى :« إِنَّا جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَفِي آذانِهِمْ وَقْراً وَإِنْ تَدْعُهُمْ إِلَى الْهُدى فَلَنْ يَهْتَدُوا إِذاً أَبَداً » بيان للعلة الكامنة فى هؤلاء الضالين، الذين أعرضوا عن آيات اللّه، واتخذوا آياته وما أنذروا به هزوا، وتلك العلّة هى أن اللّه سبحانه وتعالى ـ لحكمة أرادها ـ قد جعل على قلوبهم « أكنّة »، أي حجبا تحجبها عن الهدى، وأن تفقه آيات اللّه، وجعل فى آذانهم « وقرا » أي صمما، فلا تسمع ما يتلى عليها من آيات اللّه.. فهم لهذا لن يهتدوا أبدا :« وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئاً » (٤١ : المائدة).
« أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمى أَبْصارَهُمْ » (٢٣ : محمد).
قوله تعالى :« وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤاخِذُهُمْ بِما كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا ».
الموئل : الملجأ، والمهرب.. والخطاب للنبىّ صلوات اللّه وسلامه عليه، وفحوى الخطاب مراد به قومه.. وإذ كشفت الآية السابقة عن جحود الإنسان، وكفره بآلاء ربّه، وإعراضه عن الاستماع لدعوته إليه ـ فقد جاءت هذه الآية لتكشف عن سعة رحمة اللّه ومغفرته لعباده، وهم على حرب معه ومع أوليائه..
فقد وسعتهم رحمته، ومغفرته، فلم يعجل سبحانه وتعالى لهم العذاب، ولم يأخذهم بما هم أهل له من نقمة وبلاء، كما أخذ الأمم السابقة من قبلهم، بل أمهلهم،


الصفحة التالية
Icon