ج ٩، ص : ١٢٣٦
منه، ومن أهله جميعا..
ففى زورة للرسول ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ لآل أبى بكر، وهم فى هذه المحنة القاسية، وفى أثناء حديث مرير، حرج، مزعج، بين رسول اللّه، وبين أم المؤمنين ـ تهبّ على هذا الجمع الكريم ريح طيبة، كأطيب ما يكون الطيب، ويخلص إلى نفوس الجمع منها، أنفاس عطرة، تشيع السكينة، والأمن، والرضا، فيجد لها كل من ضمه هذا المجلس الطيّب فى رحاب هذا البيت الكريم ـ نغما علويا، يصدح بألحان مسعدة، تزفّ بين يديها آيات اللّه محمولة على أجنحة نورانية، ترف حول رسول اللّه، وتوشك أن تشتمل عليه..
ويمسك القوم عن الحديث بعد أن اتصل رسول السماء بالنبيّ، وتسكن الجوارح، وتبهر الأنفاس، وتتعلق الأبصار برسول اللّه، وما غشيه من هذا النور المتدفق من السماء..
ويأخذ الرسول ـ صلوات اللّه وسلامه عليه ـ ما يأخذه من الوحى، والقلوب واجفة، والأبصار زائغة. والنفوس قلقة.. لا يدرى أحد ما جاءت به السماء، وما يكون لها من حديث عن هذا الحدث الصاعق! وإن كانت السيدة عائشة على إيمان وثيق بربّها، وعلى ثقة مطلقة بطهرها، وبراءتها ـ فإنها ما كانت تتوقع ـ كما كانت تحدث عن نفسها فيما بعد ـ أن ينزل فى شأنها قرآن، وأن تتنزل من السماء آيات تزكّيها، وتدمغ الباغين عليها!.
فلما انفصل الوحى عن رسول اللّه، وسرّى عنه ـ نطق وجهه الكريم بشرا، ونورا، قبل أن ينطق لسانه بما نزل على قلبه من كلمات ربه.. وعرفت السيدة عائشة، ومن معها أن قرآنا قد نزل ببراءتها.. وما هى إلا لحظة ـ مرت كأنها دهر ـ حتى أقبل رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على عائشة قائلا :
« أبشرى يا عائشة. أما اللّه عز وجل فقد برّأك » !! فقالت : بحمد اللّه لا بحمدك!