ج ٩، ص : ١٢٤٥
وهذا ظن خاطئ.. فالكلمة ليست مجرد صوت ينطلق من فم، وإنما هى ـ فى حقيقتها ـ رسالة من الرسالات إلى عقول الناس، قد تكون طيبة، فتحمل إليهم الخير والهدى، وقد تكون خبيثة، فتسوق إليهم البلاء والهلاك.. وقد ضرب اللّه مثلا للكلمة الطيبة فقال سبحانه :« أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَفَرْعُها فِي السَّماءِ تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها ».
. وكذلك ضرب اللّه مثلا للكلمة الخبيثة، فقال سبحانه :« وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ » (٢٤ ـ ٢٦ :
إبراهيم)..
فالكلمة فى حساب المبطلين، والمفسدين، وأصحاب النفوس المريضة، والعقول الفارغة ـ شىء رخيص، لا وزن له، ولا ثمن للقليل أو الكثير منه..
وهى عند أهل الرأى والعقل، والحكمة، والإيمان.. شىء عظيم، هى آية اللّه فى الإنسان.. بها كان إنسانا، وكان خليفة اللّه فى الأرض.. وبالكلمة خلق اللّه السموات والأرض، وما فيهن ومن فيهن.. وبالكلمة صاغ الإنسان هذه المصنوعات التي ملأ بها وجه الأرض. فلولا الكلمة ما ولدت الأفكار، ولو لا الأفكار ما ظهر للإنسان عمل أكثر من عمل الحيوان على الأرض..
وهذا الحديث الآثم، الذي انطلق فى آفاق المدينة، وتداولته بعض الألسنة فى غير تحرج أو تأثم، هو أخبث ما تنطق به الأفواه من كلم، إذ كان زورا وبهتانا، وافتراء على الحق فى أرفع منازله، وعدوانا على الطهر فى أشرف مواطنه..
قوله تعالى :« وَلَوْلا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ قُلْتُمْ ما يَكُونُ لَنا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهذا.. سُبْحانَكَ هذا بُهْتانٌ عَظِيمٌ ».


الصفحة التالية
Icon