ج ٩، ص : ٨٤٩
قوله تعالى :« بَلْ قالُوا أَضْغاثُ أَحْلامٍ.. بَلِ افْتَراهُ.. بَلْ هُوَ شاعِرٌ.. فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ ».
هو فضح لما تناجى به القوم، وكان مما جرى به الحديث بينهم.. فقالوا فيما قالوه عن القرآن الكريم : هو « أَضْغاثُ أَحْلامٍ » أي أخلاط أحلام، وهلوسة نائم، معتلّ المزاج، مخبول العقل.. وإذ لم يرتض بعضهم هذا القول ردّوه، وقالوا :« بَلْ هُوَ شاعِرٌ » أي من واردات الشعر، ومن نسج أخيلته..
وإذ لم يرض بعضهم هذا القول أو ذاك قالوا :« فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ » أي يدع محاجّته فى هذا الكلام الذي يلقيه علينا، ويقول عنه إنه معجزته التي يقدّمها بين يدى رسالته، وليأتنا بمعجزة غير كلامية، فإن مجال الكلام متّسع لكل قائل.. فإن كان رسولا من عند اللّه، كما يدّعى، فلم لم يأت بمعجزة نراها، كناقة صالح، وعصا موسى، ويد عيسى ؟ عندئذ يمكن أن يكون له وجه يلقانا به على طريق دعوته، ويكون لنا يظر فيما يدّعيه..!
فانظر إلى كلمات اللّه، وقد أمسكت بالقوم وهم على مسرح الجريمة، ثم أخذت ما جرى على لسان كل ذى قول قاله فى هذا المجلس الآثم..
« قالُوا : أَضْغاثُ أَحْلامٍ.. بَلِ افْتَراهُ.. بَلْ هُوَ شاعِرٌ.. فَلْيَأْتِنا بِآيَةٍ كَما أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ ».
لقد ذهب كل فريق منهم بقول من هذه الأقوال..!
وقد نسبت كل مقولة إليهم جميعا.. إذ كانوا كلهم شركاء فيما قيل..
فالمتكلم والسامع جميعا، شركاء فيه.
قوله تعالى :« ما آمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها.. أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ ».