( الرابع ) قال السدي : نزلت الآية في رجل من الأنصار يقال له أبو حصين كان له ابنان، فقدم تجارٌ من الشام إلى المدينة يحملون الزيت، فلما أرادوا الخروج أتاهم ابنا الحصين فدعوهما إلى النصرانية فتنصّرا ومضيا معهم إلى الشام، فأتى أبوهما رسول الله ﷺ مشتكياً أمرهما، ورغب في أن يبعث رسول الله ﷺ من يردّهما فنزلت :﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين ﴾ ولم يؤمر يومئذ بقتال أهل الكتاب، وقال :" أبعدهما الله هما أوّل من كفر" ! فوجد أبو الحصين في نفسه على النبيّ ﷺ حين لم يبعث في طلبهما فأنزل الله جل ثناؤه ﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حتى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ﴾ [ النساء : ٦٥ ]، الآية ثم إنه نسخ ﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين ﴾ فأمر بقتال أهل الكتاب في سورة " براءة".
والصحيح في سبب قوله تعالى :﴿ فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ ﴾ حديث الزبير مع جاره الأنصاري في السَّقْي، على ما يأتي في " النساء" بيانه إن شاء الله تعالى.
وقيل : معناها لا تقولوا لمن أسلم تحت السيف مُجْبَراً مُكْرهاً ؛ وهو القول الخامس.
وقول سادس، وهو أنها وردت في السبي متى كانوا من أهل الكتاب لم يجبروا إذا كانوا كباراً، وإن كانوا مجوساً صغاراً أو كباراً أو وثنيين فإنهم يجبرون على الإسلام ؛ لأن من سباهم لا ينتفع بهم مع كونهم وثنيين ؛ ألا ترى أنه لا تؤكل ذبائحهم ولا توطأ نساؤهم، ويدينون بأكل الميتة والنجاسات وغيرهما، ويستقذرهم المالك لهم ويتعذّر عليه الانتفاع بهم من جهة الملك فجاز له الإجبار.
ونحو هذا روى ابن القاسم عن مالك.
وأما أشهب فإنه قال : هم على دين من سباهم، فإذا امتنعوا أُجبروا على الإسلام، والصغار لا دين لهم فلذلك أجبروا على الدخول في دين الإسلام لئلا يذهبوا إلى دين باطل.
فأما سائر أنواع الكفر متى بذلوا الجزية لم نكرههم على الإسلام سواء كانوا عرباً أم عجماً قريشاً أو غيرهم. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٢٨٠ ـ ٢٨١﴾


الصفحة التالية