قال النمروذ : أنا أُحيي وأُميت، وأنا آخذ أربعة نفر فأدخلهم بيتاً ولا يطعمون شيئاً ولا يسقون حتى إذا جاعوا أخرجتهم فأطعمت اثنين فحييا وتركت اثنين فماتا.
فعارضه إبراهيم بالشمس فبُهِت. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٢٨٤ ـ ٢٨٦﴾
قوله تعالى :﴿أَنْ آتاه الله الملك﴾
قال الآلوسى :
﴿ أنٍ آتاه الله الملك ﴾ أي لأن آتاه الله تعالى ذلك فالكلام على حذف اللام وهو مطرد في أن، وإن وليس هناك مفعولاً لأجله منصوب لعدم اتحاد الفاعل، والتعليل فيه على وجهين : إما أن إيتاء الملك حمله على ذلك لأنه أورثه الكبر والبطر فنشأت المحاجة عنهما، وإما أنه من باب العكس في الكلام بمعنى أنه وضع المحاجة موضع الشكر إذ كان من حقه أن يشكر على ذلك فعلى الأول : العلة تحقيقية، وعلى الثاني : تهكمية كما تقول : عاداني فلان لأني أحسنت إليه. أ هـ ﴿روح المعانى حـ ٣ صـ ١٦﴾
وقال فى الميزان :
قوله تعالى :﴿أن آتاه الله الملك﴾، ظاهر السياق : أنه من قبيل قول القائل : أساء إلى فلان لأني أحسنت إليه يريد : أن إحساني إليه كان يستدعي أن يحسن إلى لكنه بدل الإحسان من الإساءة فأساء إلى، وقولهم : واتق شر من أحسنت إليه،
قال الشاعر : جزى بنوه أبا الغيلان عن كبر *
وحسن فعل كما يجزى سنمار
فالجملة أعني قوله : أن آتاه الله الملك بتقدير لام التعليل وهي من قبيل وضع الشئ موضع ضده للشكوى والاستعداء ونحوه، فإن عدوان نمرود وطغيانه في هذه المحاجة كان ينبغي أن يعلل بضد إنعام الله عليه بالملك، لكن لما لم يتحقق من الله في حقه إلا الإحسان إليه وإيتائه الملك فوضع في موضع العلة فدل على كفرانه لنعمة الله فهو بوجه كقوله تعالى :" فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوا وحزنا " القصص - ٨، فهذه نكتة في ذكر إيتائه الملك.
وهناك نكتة أخرى
وهي : الدلالة على رداءة دعواه من رأس، وذلك أنه إنما كان يدعي هذه الدعوى لملك آتاه الله تعالى من غير أن يملكه لنفسه، فهو إنما كان نمرود الملك ذا السلطة والسطوة بنعمة من ربه، وأما هو في نفسه فلم يكن إلا واحدا من سواد الناس لا يعرف له وصف، ولا يشار إليه بنعت، ولهذا لم يذكر اسمه وعبر عنه بقوله :" الذي حاج إبراهيم في ربه"، دلالة على حقارة شخصه وخسة أمره. أ هـ ﴿الميزان حـ ٢ صـ ٣٥٢ ﴾

فصل


قال الفخر :
أما قوله :﴿أَنْ آتاه الله الملك﴾ فاعلم أن في الآية قولين
الأول : أن الهاء في آتاه عائد إلى إبراهيم، يعني أن الله تعالى آتى إبراهيم ﷺ الملك، واحتجوا على هذا القول بوجوه الأول : قوله تعالى :﴿فَقَدْ ءَاتَيْنَا ءَالَ إبراهيم الكتاب والحكمة وءاتيناهم مُّلْكاً عَظِيماً﴾ [ النساء : ٥٤ ] أي سلطاناً بالنبوّة، والقيام بدين الله تعالى والثاني : أنه تعالى لا يجوز أن يؤتي الملك الكفار، ويدعي الربوبية لنفسه والثالث : أن عود الضمير إلى أقرب المذكورين واجب، وإبراهيم أقرب المذكورين إلى هذا الضمير، فوجب أن يكون هذا الضمير عائداً إليه والقول الثاني : وهو قول جمهور المفسرين : أن الضمير عائد إلى ذلك الإنسان الذي حاج إبراهيم.
وأجابوا عن الحجة الأولى بأن هذه الآية دالة على حصول الملك لآل إبراهيم، وليس فيها دلالة على حصول الملك لإبراهيم عليه السلام.


الصفحة التالية
Icon