الحجة الثانية : ما ذكره أبو بكر الأصم، وهو أن إبراهيم ﷺ لو كان هو الملك لما قدر الكافر أن يقتل أحد الرجلين ويستبقي الآخر، بل كان إبراهيم ﷺ يمنعه منه أشد منع، بل كان يجب أن يكون كالملجأ إلى أن لا يفعل ذلك، قال القاضي هذا الاستدلال ضعيف، لأنه من المحتمل أن يقال : إن إبراهيم ﷺ كان ملكاً وسلطاناً في الدين والتمكن من إظهار المعجزات، وذلك الكافر كان ملكاً مسلطاً قادراً على الظلم، فلهذا السبب أمكنه قتل أحد الرجلين، وأيضاً فيجوز أن يقال إنما قتل أحد الرجلين قوداً، وكان الاختيار إليه، واستبقى الآخر، إما لأنه لا قتل عليه أو بذل الدية واستبقاه.
وأيضاً قوله ﴿أنا أحيي وأميت﴾ خبر ووعد، ولا دليل في القرآن على أنه فعله، فهذا ما يتعلق بهذه المسألة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ١٩ ـ ٢٠ ـ ٢١﴾
سؤال : فإن قلت : كيف جاز أن يؤتي الله الملك الكافر ؟
قلت : فيه قولان : آتاه ما غلب به وتسلط من المال والخدم والأتباع، وأما التغليب والتسليط فلا، وقيل : ملكة امتحاناً لعباده. انتهى. أ هـ ﴿الكشاف حـ ١ صـ ٣٠٥﴾
قال أبو حيان :
وفيه نزعة اعتزالية، وهو قوله : وأما التغليب والتسليط فلا، لأنه عندهم هو الذي تغلب وتسلط، فالتغليب والتسليط فعله لا فعل الله عندهم. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ٢٩٩﴾
فصل
قال القرطبى :
هذه الآية تدل على جواز تسمية الكافر مَلِكاً إذا آتاه الله المُلْك والعِزّ والرِّفعة في الدنيا، وتدلّ على إثبات المناظرة والمجادلة وإقامة الحجة.
وفي القرآن والسنة من هذا كثير لمن تأمّله ؛ قال الله تعالى :﴿ قُلْ هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنْتُمْ صَادِقِينَ ﴾ [ البقرة : ١١١ ].
﴿ إِنْ عِندَكُمْ مِّن سُلْطَانٍ ﴾ [ يونس : ٦٨ ] أي من حجة.
وقد وصف خصومة إبراهيم عليه السلام قومه وردّه عليهم في عبادة الأوثان كما في سورة " الأنبياء" وغيرها.