فبين له الخليل عليه الصلاة والسلام بهذا المثال أنه عاجز عن تحويل صورة صورها الله سبحانه وتعالى ووضعها في جهة إلى غير تلك الجهة فكيف له بأن يوجد صورة من العدم فكيف ثم كيف بإفاضة الروح عليها فكيف بالروح الحساسة فكيف بالروح الناطقة! وسيأتي لهذا الشأن في سورة الشعراء مزيد بيان،
فيالله ما أعلى مقامات الأنبياء! وما أصفى بصائرهم! وما أسمى درجاتهم وأزكى عناصرهم! عليهم أجمعين مني أعظم الصلاة والسلام وأعلى التحية والإكرام.
وقال الحرالي : فعرفه أي في قوله :﴿كفر﴾ بوصفه من حيث دخل عليه البهت منه - انتهى.
أي لأنه ستر ما يعلمه من عجز نفسه وقدرة خالقه،
فكشف سبحانه وتعالى بلسان خليله ﷺ الستر الذي أرخاه كشفاً واضحاً وهتكه بعظيم البيان هتكاً فاضحاً.
ولما كان التقدير : لأنه ظلم في ادعائه ذلك وفي الوجه الذي ادعى ذلك بسبه من قتل البريء وترك المجترىء،
قال سبحانه وتعالى :﴿والله﴾ أي الذي لا أمر لأحد معه ﴿لا يهدي القوم﴾ أي الذين أعطاهم قوة المقاومة للأمور ﴿الظالمين﴾ عامة لوضعهم الأشياء بإرادته وتقديره في غير مواضعها،
لأنه أظلم قلوبهم فجعلها أحلك من الليل الحالك فلم يبق لهم ذلك وجهاً ثابتاً يستمسكون به،
فأين منهم الهداية وقد صاروا بمراحل عن مواطن أهل العناية! وقصر فعل الهداية لإفادة العموم،
قال الإمام : فاختصر اللفظ إفادة لزيادة المعنى وهو من اللطائف القرآنية. أ هـ ﴿نظم الدرر حـ ١ صـ ٥٠٣ ـ ٥٠٥﴾
قال الفخر :


الصفحة التالية
Icon