الظاهر أن هذا جواب سؤال سابق غير مذكور، وذلك لأن من المعلوم أن الأنبياء عليهم السلام بعثوا للدعوة، والظاهر أنه متى ادعى الرسالة، فإن المنكر يطالبه بإثبات أن للعالم إلها، ألا ترى أن موسى عليه السلام لما قال :﴿إِنّى رَسُولُ رَبِّ العالمين﴾ [ الزخرف : ٤٦ ] ﴿قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ العالمين﴾ [ الشعراء : ٢٣ ] فاحتج موسى عليه السلام على إثبات الإلهية بقوله ﴿رَبّ السموات والأرض﴾ فكذا هاهنا الظاهر أن إبراهيم ادعى الرسالة، فقال نمروذ : من ربك ؟ فقال إبراهيم : ربي الذي يحيي ويميت، إلا أن تلك المقدمة حذفت، لأن الواقعة تدل عليها. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ٢١﴾
قال أبو حيان :
وفي قول إبراهيم :﴿ ربي الذي يحيي ويميت ﴾ تقوية لقول من قال إن الضمير في قوله : في ربه، عائد على إبراهيم.
و﴿ ربي الذي يحيي ويميت ﴾، مبتدأ وخبر، وفيه إشارة إلى أنه هو الذي أوجد الكافر ويحييه ويميته، كأنه قال : ربي الذي يحيي ويميت هو متصرّف فيك وفي أشباهك بما لا تقدر عليه أنت ولا أشباهك من هذين الوصفين العظميين المشاهدين للعالم اللذين لا ينفع فيهما حيل الحكماء ولا طب الأطباء، وفيه إشارة أيضاً إلى المبدأ والمعاد وفي قوله :﴿ ربي الذي يحيي ويميت ﴾ دليل على الاختصاص لأنهم قد ذكروا أن الخبر، إذا كان بمثل هذا، دل على الاختصاص، فتقول : زيد الذي يصنع كذا، أي : المختص بالصنع. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ٢٩٩﴾
فائدة
قال ابن عاشور :
وفي تقديم الاستدلال بخلق الحياة إدماج لإثبات البعث لأنّ الذي حاجّ إبراهيم كان من عبدة الأصنام، وهم ينكرون البعث.
وذلك موضع العِبرة من سياق الآية في القرآن على مسامع أهل الشرك، ثم أعقبه بدلالة الأمانة، فإنّه لا يستطيع تنهية حياة الحي، ففي الإحياء والأمانة دلالة على أنّهما من فعل فاعل غير البشر، فالله هو الذي يحيي ويميت.


الصفحة التالية
Icon