أما قوله تعالى :﴿قَالَ أنى يُحْىِ هذه الله بَعْدَ مَوْتِهَا﴾ فقد ذكرنا أن من قال : المار كان كافراً حمله على الشك في قدرة الله تعالى، ومن قال كان نبياً حمله على الاستبعاد بحسب مجاري العرف والعادة أو كان المقصود منه طلب زيادة الدلائل لأجل التأكيد، كما قال إبراهيم عليه السلام :﴿أرني كيف تحيي الموتى﴾ [ البقرة : ٢٦٠ ] وقوله ﴿أنّى﴾ أي من أين كقوله ﴿أنى لَكِ هذا﴾ [ آل عمران : ٣٧ ] والمراد بإحياء هذه القرية عمارتها، أي متى يفعل الله تعالى ذلك، على معنى أنه لا يفعله فأحب الله أن يريه في نفسه، وفي إحياء القرية آية ﴿فَأَمَاتَهُ الله مِاْئَةَ عَامٍ﴾ وقد ذكرنا القصة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ٢٩﴾
وقال القرطبى :
قوله تعالى :﴿ أنى يُحْيِي هذه الله بَعْدَ مَوْتِهَا ﴾ معناه من أيّ طريق وبأيّ سبب، وظاهر اللفظ السؤال عن إحياء القرية بعمارة وسكّان، كما يقال الآن في المدن الخِربة التي يبعد أن تعمر وتسكن : أنَّى تعمر هذه بعد خرابها.
فكأن هذا تلهّف من الواقف المعتبر على مدينته التي عهد فيها أهله وأحبّته.
وضرب له المَثَل في نفسه بما هو أعظم مما سأل عنه، والمثال الذي ضرب له في نفسه يحتمل أن يكون على أن سؤاله إنما كان على إحياء الموتى من بني آدم، أي أنَّى يحيي الله موتاها.
وقد حكى الطبريّ عن بعضهم أنه قال : كان هذا القول شكّاً في قدرة الله تعالى على الإحياء ؛ فلذلك ضرب له المثل في نفسه.
قال ابن عطيّة : وليس يدخل شكّ في قدرة الله تعالى على إحياء قرية بجلب العمارة إليها وإنما يتصوّر الشك ( من جاهل ) في الوجه الآخر، والصواب ألاّ يتأوّل في الآية شك. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٢٩٠ ـ ٢٩١﴾
وقال أبو حيان :
الإحياء والإماتة هنا مجازان، عبر بالإحياء عن العمارة، وبالموت عن الخراب.