فهذه النقول تدل على خصوصها بأهل الكتاب المعطين الجزية، ومن في حكمهم، ولا يرد على هذا أن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ؛ لأن التخصيص فيها عرف بنقل عن علماء التفسير لا بمطلق خصوص السبب، ومما يدل للخصوص أنه ثبت في الصحيح :" عجب ربك من قوم يقادون إلى الجنة في السلاسل".
الأمر الثاني : أنها منسوخة بآيات القتال كقوله :﴿فَإِذَا انْسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ﴾ الآية، ومعلوم أن سورة البقرة من أول ما نزل بالمدينة، وسورة براءة من آخر ما نزل بها، والقول بالنسخ مروي عن ابن مسعود، وزيد بن أسلم، وعلى كل حال فآيات السيف نزلت بعد نزول السورة التي فيها ﴿لا إِكْرَاهَ﴾ الآية، والمتأخر أولى من المتقدم، والعلم عند الله تعالى. أ هـ ﴿دفع إيهام الاضطراب صـ ٤٤ ـ ٤٦﴾
من فوائد ابن عرفة فى الآية
قوله تعالى :﴿ لاَ إِكْرَاهَ فِي الدين... ﴾.
نقل ابن عرفة عن ابن عطية الخلاف في سبب نزولها ثم قال : الظاهر عندي ( أنّها ) على ظاهرها ويكون خبرا في اللفظ والمعنى.
والمراد أنه ليس في الاعتقاد إكراه وهو أولى من قول من جعلها خبرا في معنى النّهي.
وكان أبو عمر ولد الأمير أبي الحسن على المريني في ( أيام ) مملكته جمع كل من كان في بلده من النّصارى وأهل الذمة وقال لهم : إما أن تسلموا أو ضربت أعناقكم، فأنكر عليه ذلك فقهاء بلده ومنعوه وكان في عقله اختبال.
قيل لابن عرفة : من فسّر الدين بالإسلام لا يتمّ إلا على مذهب المعتزلة القائلين بأن الاعتقاد غير كاف.
فقال : قد قال الله تعالى :﴿ إِنَّ الدين عِندَ الله الإسلام ﴾ وفسره في الحديث " بأنّ تشهد أن لاَ إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا ".
قوله تعالى :﴿ قَد تَّبَيَّنَ الرشد مِنَ الغي... ﴾.
( قد ) للتوقع لأن المشركين كانوا يتوقعون بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم.