فصل
قال الفخر :
أجمع المفسرون على أن المراد هاهنا من الظلمات والنور : الكفر والإيمان فتكون الآية صريحة في أن الله تعالى هو الذي أخرج الإنسان من الكفر وأدخله في الإيمان، فيلزم أن يكون الإيمان بخلق الله، لأنه لو حصل بخلق العبد لكان هو الذي أخرج نفسه من الكفر إلى الإيمان، وذلك يناقض صريح الآية.
أجابت المعتزلة عنه من وجهين الأول : أن الإخراج من الظلمات إلى النور محمول على نصب الدلائل، وإرسال الأنبياء، وإنزال الكتب، والترغيب في الإيمان بأبلغ الوجوه، والتحذير عن الكفر بأقصى الوجوه، وقال القاضي : قد نسب الله تعالى الإضلال إلى الصنم في قوله ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ الناس﴾ [ إبراهيم : ٣٦ ] لأجل أن الأصنام سبب بوجه ما لضالهم، فإن يضاف الإخراج من الظلمات إلى النور إلى الله تعالى مع قوة الأسباب التي فعلها بمن يؤمن كان أولى.
والوجه الثاني : أن يحمل الإخراج من الظلمات إلى النور على أنه تعالى يعدل بهم من النار إلى الجنة
قال القاضي : هذا أدخل في الحقيقة، لأن ما يقع من ذلك في الآخرة يكون من فعله تعالى فكأنه فعله.
والجواب عن الأول من وجهين : أحدهما : أن هذه الإضافة حقيقة في الفعل، مجاز في الحث والترغيب، والأصل حمل اللفظ على الحقيقة والثاني : أن هذه الترغيبات إن كانت مؤثرة في ترجيح الداعية صار الراجح واجباً، والمرجوح ممتنعاً، وحينئذ يبطل قول المعتزلة وإن لم يكن لها أثر في الترجيح لم يصح تسميتها بالإخراج.
وأما السؤال الثاني : وهو حمل اللفظ على العدول بهم من النار إلى الجنة فهو أيضاً مدفوع من وجهين