أي فصار كل ذي لب يعرف أن الإسلام خير كله وغيره شر كله، لما تبين من الدلائل وصار بحيث يبادر كل من أراد نفع نفسه إليه ويخضع أجبر الجبابرة لديه فكأنه لقوة ظهوره وغلبة نوره قد انتفى عنه الإكراه بحذافيره، لأن الإكراه الحمل على ما لم يظهر فيه وجه المصلحة فلم يبق منه مانع إلاّ حظ النفس الخبيث في شهواتها البهيمية والشيطانية ﴿فمن﴾ أي فكان ذلك سبباً لأنه من ﴿يكفر بالطاغوت﴾ وهو نفسه وما دعت إليه ومالت بطبعها الرديء إليه.
وقال الحرالي : وهو ما أفحش في الإخراج عن الحد الموقف عن الهلكة صيغة مبالغة وزيادة انتهاء مما منه الطغيان - انتهى.
﴿ويؤمن بالله﴾ أي الملك الأعلى ميلاً مع العقل الذي هو خير كله لما رأى بنوره من الأدلة القاطعة والبراهين الساطعة وداوم على ذلك بما أفادته صيغة المضارع من يكفر ويؤمن ﴿فقد استمسك﴾ على بصيرة منه ﴿بالعروة الوثقى﴾ أي التي لا يقع شك في أنها أوثق الأسباب في نجاته بما ألقى بيده واستسلم لربه ﴿ومن يسلم وجهه إلى الله﴾ [ الحج : ٣١ ]، والعروة ما تشد به العياب ونحوها بتداخلها بعضها في بعض دخولاً لا ينفصم بعضه من بعض إلا بفصم طرفه فإذا انفصمت منه عروة انفصم جميعه، والوثقى صيغة فعلى للمبالغة من الثقة بشدة ما شأنه أن يخاف وهنه، ثم بين وثاقتها بقوله :﴿لا انفصام لها﴾ أي لا مطاوعة في حل ولا صدع ولا ذهاب.
قال ابن القطاع : فصمت الشيء صدعته، والعقدة حللتها، والشيء عنه ذهب.


الصفحة التالية
Icon