مناسبة هذه الآية لما قبلها في غاية الظهور، إذ كلاهما أتى بها دلالة على البعث المنسوب إلى الله تعالى، في قول إبراهيم لنمروذ ﴿ ربي الذي يحيي ويميت ﴾ لكن المار على القرية أراه الله ذلك في نفسه وفي حماره، وإبراهيم أراه ذلك في غيره، وقدّمت آية المار على آية إبراهيم، وإن كان إبراهيم مقدّماً في الزمان على المار، لأنه تعجب من الإحياء بعد الموت، وإن كان تعجب اعتبارٍ فأشبه الإنكار، وإن لم يكن إنكاراً فكان أقرب إلى قصة النمروذ وإبراهيم،
وأما إن كان المار كافراً فظهرت المناسبة أقوى ظهور. (١)
وأما قصة إبراهيم فهي سؤال لكيفية إراءة الإحياء، ليشاهد عياناً ما كان يعلمه بالقلب، وأخبر به نمروذ. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ٣٠٨﴾
لطيفة
قال الفخر :
إنه تعالى لم يسم عزيراً حين قال :﴿أَوْ كالذى مَرَّ على قَرْيَةٍ﴾ [ البقرة : ٢٥٩ ] وسمى هاهنا إبراهيم مع أن المقصود من البحث في كلتا القصتين شيء واحد، والسبب أن عزيراً لم يحفظ الأدب، بل قال :﴿أنى يحيي هذه الله بعد موتها﴾ وإبراهيم حفظ الأدب فإنه أثنى على الله أولاً بقوله ﴿رَبّ﴾ ثم دعا حيث قال :﴿أَرِنِى﴾ وأيضاً أن إبراهيم لما راعى الأدب جعل الإحياء والإماتة في الطيور، وعزيراً لما لم يراع الأدب جعل الإحياء والإماتة في نفسه. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ٣٣﴾
فائدة
قال أبو حيان :
وفي افتتاح السؤال بقوله : رب، حسن استلطاف واستعطاف للسؤال، وليناسب قوله لنمروذ ﴿ ربي الذي يحيي ويميت ﴾ لأن الرب هو الناظر في حاله، والمصلح لأمره، وحذفت ياء الإضافة اجتزاء بالكسرة، وهي اللغة الفصحى في نداء المضاف لياء المتكلم، وحذف حرف النداء للدّلالة عليه.
(١) الراجح عند الجمهور أنه لم يكن كافرا.