قال القفال رحمه الله : وقد يحتمل أن يكون هذا الشرط معتبراً أيضاً فيمن أنفق على نفسه، وذلك هو أن ينفق على نفسه ويحضر الجهاد مع رسول الله ﷺ والمسلمين ابتغاء لمرضاة الله تعالى، ولا يمن به على النبي ﷺ والمؤمنين، ولا يؤذي أحداً من المؤمنين، مثل أن يقول : لو لم أحضر لما تم هذا الأمر، ويقول لغيره : أنت ضعيف بطال لا منفعة منك في الجهاد. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ٤٠ ـ ٤١﴾
فائدة
قال القرطبى :
لما تقدّم في الآية التي قبلُ ذِكرُ الإنفاق في سبيل الله على العموم بَيَّن في هذه الآية أن ذلك الحكم والثواب إنما هو لمن لا يتبع إنفاقه مَنّا ولا أذًى ؛ لأن المنّ والأذى مبطلان لثواب الصدّقة كما أخبر تعالى في الآية بعد هذا، وإنما على المرء أن يريد وجه الله تعالى وثوابَه بإنفاقه على المنَفق عليه، ولا يرجو منه شيئاً ولا ينظر من أحواله في حالٍ سوى أن يراعي استحقاقه ؛ قال الله تعالى :﴿ لاَ نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَآءً وَلاَ شُكُوراً ﴾ [ الإنسان : ٩ ].
ومتى أنفق ليريد من المنفَق عليه جزاء بوجهٍ من الوجوه فهذا لم يُرد وجهَ الله ؛ فهذا إذا أخلف ظنه فيه منّ بإنفاقه وآذى.
وكذلك من أنفق مضطراً دَافع غَرْم إمّا لمانْةٍ للمنفَق عليه أو لقرينة أخرى من اعتناء معتن فهذا لم يرد وجه الله.
وإنما يُقبل ما كان عطاؤه لله وأكثر قصده ابتغاء ما عند الله، كالذي حُكي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن أعرابياً أتاه فقال :
يا عُمَر الخيرِ جُزَيت الجنّهْ...
أُكْسُ بُنَياتِّي وأمّهُنّه
وكُنْ لنا من الزمان جُنَّه...
أُقسم بالله لتفعلَنّهْ
قال عمر : إن لم أفعل يكون ماذا ؟ ! قال :
إذاً أبا حفصٍ لأذهَبَنّه...
قال : إذا ذهبت يكون ماذا ؟ ! قال :
تكون عن حالي لتُسْأَلنّهْ...
يوم تكون الأُعْطِيات هَنّهْ
ومَوْقِفُ المسئول بيْنَهُنّهْ...
إمّا إلى نارٍ وإمّا جَنّهْ