فبكى عمر حتى اخْضَلّت لحيته، ثم قال : يا غلام، أعطه قميصي هذا لذلك اليوم لا لِشعْره! والله لا أملك غيره.
قال الماورديّ : وإذا كان العطاء على هذا الوجه خالياً من طلب جزاء وشُكر عُرْياً عن امتنان ونشرٍ كان ذلك أشرف للباذل وأهْنَأَ للقابل.
فأما المعطِي إذا التمس بعطائه الجزاء، وطلب به الشكر والثناء، كان صاحبَ سُمْعة ورِياء، وفي هذين من الذمّ ما ينافِي السخاء.
وإن طلب الجزاء كان تاجراً مُربِحاً لا يستحق حمداً ولا مدحاً.
وقد قال ابن عباس في قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ ﴾ [ المدثر : ٦ ] أي لا تُعطِي عطية تلتمس بها أفضل منها.
وذهب ابن زيد إلى أن هذه الآية إنما هي في الذين لا يخرجون في الجهاد بل ينفقون وهم قعود، وأن الآية التي قبلها هي في الذين يخرجون بأنفسهم، قال : ولذلك شرط على هؤلاء ولم يشترط على الأوّلين.
قال ابن عطية : وفي هذا القول نظر ؛ لأن التحكُّم فيه بادٍ. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٣٠٧ ـ ٣٠٨﴾
لطيفة
قال أبو السعود :
وإنما قُدم المن لكثرة وقوعِه، وتوسيطُ كلمة ﴿ لا ﴾ للدَلالة على شمول النفي لإتباع كل واحدٍ منهما و﴿ ثُمَّ ﴾ لإظهار علوِّ رتبة المعطوف. أ هـ ﴿تفسير أبى السعود حـ ١ صـ ٢٥٨﴾
فائدة
قال أبو حيان :
﴿ لهم أجرهم عند ربهم ﴾
عطف : بـ ﴿ثم﴾، التي تقتضي المهلة، لأن من أنفق في سبيل الله ظاهراً لا يحصل منه غالباً المنّ والأذى، بل إذا كانت بنية غير وجه الله تعالى، لا يمنّ ولا يؤذي على الفور، فذلك دخلت : ثم، مراعاة للغالب.
وإن حكم المن والأذى المعتقبين للإنفاق، والمقارنين له حكم المتأخرين.
وقال الزمخشري : ومعنى : ثم، إظهار التفاوت بين الإنفاق وترك المن والأذى، وأن تركهما خير من نفس الإنفاق، كما جعل الاستقامة على الإيمان خيراً من الدخول فيه بقوله :﴿ ثم استقاموا ﴾ انتهى كلامه.