وقد تكرر للزمخشري ادعاء هذا المعنى لـ ﴿ثم﴾، ولا أعلم له في ذلك سلفاً، وقد تكلمنا قبل هذا معه في هذا المعنى. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ٣١٩﴾
فصل
قال الفخر :
المن في اللغة على وجوه
أحدها : بمعنى الإنعام، يقال : قد من الله على فلان، إذا أنعم، أو لفلان على منّة، وأنشد ابن الأنباري :
فمنّي علينا بالسلام فإنما.. كلامك ياقوت ودر منظم
ومنه قوله ﷺ :" ما من الناس أحد أمن علينا في صحبته ولا ذات يده من ابن أبي قحافة " يريد أكثر إنعاماً بماله، وأيضاً الله تعالى يوصف بأنه منان أي منعم.
والوجه الثاني : في التفسير المن النقص من الحق والبخس له، قال تعالى :﴿وَإِنَّ لَكَ لأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ﴾ أي غير مقطوع وغير ممنوع، ومنه سمي الموت : منوناً لأنه ينقص الأعمار، ويقطع الأعذار : ومن هذا الباب المنة المذمومة، لأن ينقص النعمة، ويكدرها، والعرب يمتدحون بترك المن بالنعمة، قال قائلهم :
زاد معروفك عندي عظما.. أنه عندي مستور حقير
تتناساه كأن لم تأته.. وهو في العالم مشهور كثير
إذا عرفت هذا فنقول : المن هو إظهار الاصطناع إليهم، والأذى شكايته منهم بسبب ما أعطاهم وإنما كان المن مذموماً لوجوه الأول : أن الفقير الآخذ للصدقة منكسر القلب لأجل حاجته إلى صدقة غير معترف باليد العليا للمعطي، فإذا أضاف المعطي إلى ذلك إظهار ذلك الإنعام، زاد ذلك في انكسار قلبه، فيكون في حكم المضرة بعد المنفعة، وفي حكم المسيء إليه بعد أن أحسن إليه والثاني : إظهار المن يبعد أهل الحاجة عن الرغبة في صدقته إذا اشتهر من طريقه ذلك الثالث : أن المعطي يجب أن يعتقد أن هذه النعمة من الله تعالى عليه، وأن يعتقد أن لله عليه نعماً عظيمة حيث وفقه لهذا العمل، وأن يخاف أنه هل قرن بهذا الانعام ما يخرجه عن قبول الله إياه، ومتى كان الأمر كذلك امتنع أن يجعله منة على الغير