وقوله ﴿وَمَغْفِرَةٌ﴾ خطاب مع السائل بأن يعذر المسؤول في ذلك الرد، فربما لم يقدر على ذلك الشيء في تلك الحالة، ثم بيّن تعالى أن فعل الرجل لهذين الأمرين خير له من صدقة يتبعها أذى، وسبب هذا الترجيح أنه إذا أعطى، ثم أتبع الإعطاء بالإيذاء، فهناك جمع بين الإنفاع والإضرار، وربما لم يف ثواب الإنفاع بعقاب الإضرار،
وأما القول المعروف ففيه إنفاع من حيث إنه يتضمن إيصال السرور إلى قلب المسلم ولم يقترن به الإضرار، فكان هذا خيراً من الأول. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ٤٣﴾
وقال القرطبى :
والقول المعروف هو الدعاء والتأنيس والترجية بما عند الله، خير من صدقة هي في ظاهرها صدقة وفي باطنها لا شيء ؛ لأن ذكر القول المعروف فيه أجر وهذه لا أجر فيها.
قال ﷺ :" الكلمة الطيبة صدقة وإن من المعروف أن تلقى أخاك بوجه طَلِق " أخرجه مسلم.
فيتلقّى السائل بالبشر والترحيب، ويقابله بالطلاقة والتقريب ؛ ليكون مشكوراً إن أعطى ومعذوراً إن منع.
وقد قال بعض الحكماء : الق صاحب الحاجة بالبشر فإن عدمت شكره لم تعدم عذره.
وحكى ابن لنكك أن أبا بكر بن دُرَيْد قصد بعض الوزراء في حاجة لم يقضها وظهر له منه ضجر فقال :
لا تدخلنّك ضَجْرةٌ من سائلٍ...
فَلخيرُ دهرِك أن تُرى مَسؤولا
لا تَجْبَهنْ بالردِّ وجهَ مُؤمِّلٍ...
فبقاءُ عِزِّك أن تُرى مأمُولا
تلقَى الكريمَ فتستدلّ ببِشْره...
وتَرى العُبُوس على اللّئيم دَليلا
واعلم بأنك عن قليل صائرٌ...
خبراً فكُنْ خَبراً يَروق جَميلاً
وروي من حديث عمر رضي الله عنه قال قال النبيّ ﷺ :" إذا سأل السائل فلا تقطعوا عليه مسألته حتى يفرغ منها ثم رُدّوا عليه بوَقَار ولِين أو ببَذْلٍ يسير أو رَدّ جميل فقد يأتيكم من ليس بإنس ولا جانّ ينظرون صنيعكم فيما خوّلكم الله تعالى ".
قلت : دليله حديث أبرص وأقرع وأعمى، خرّجه مسلم وغيره.