واعلم أنه تعالى ذكر لكيفية إبطال أجر الصدقة بالمن والأذى مثلين، فمثله أولاً : بمن ينفق ماله رئاء الناس، وهو مع ذلك كافر لا يؤمن بالله واليوم الآخر، لأن بطلان أجر نفقة هذا المرائي الكافر أظهر من بطلان أجر صدقة من يتبعها المن والأذى، ثم مثله ثانياً : بالصفوان الذي وقع عليه تراب وغبار، ثم أصابه المطر القوي، فيزيل ذلك الغبار عنه حتى يصير كأنه ما كان عليه غبار ولا تراب أصلاً، فالكافر كالصفوان، والتراب مثل ذلك الإنفاق والوابل كالكفر الذي يحبط عمل الكافر، وكالمن والأذى اللذين يحبطان عمل هذا المنفق، قال : فكما أن الوابل أزال التراب الذي وقع على الصفوان، فكذا المن والأذى يوجب أن يكونا مبطلين لأجر الإنفاق بعد حصوله، وذلك صريح في القول بالاحباط والتفكير، قال الجبائي : وكما دل هذا النص على صحة قولنا فالعقل دل عليه أيضاً، وذلك لأن من أطاع وعصى، فلو استحق ثواب طاعته وعقاب معصيته لوجب أن يستحق النقيضين، لأن شرط الثواب أن يكون منفعة خالصة دائمة مقرونة بالإجلال، وشرط العقاب أن يكون مضرة خالصة دائمة مقرونة بالإذلال فلو لم تقع المحابطة لحصل استحقاق النقيضين وذلك محال، ولأنه حين يعاقبه فقد منعه الإثابة ومنع الإثابة ظلم، وهذا العقاب عدل، فيلزم أن يكون هذا العقاب عدلاً من حيث إنه حقه، وأن يكون ظلماً من حيث إنه منع الإثابة، فيكون ظالماً بنفس الفعل الذي هو عادل فيه وذلك محال، فصح بهذا قولنا في الإحباط والتفكير بهذا النص وبدلالة العقل، هذا كلام المعتزلة.
وأما أصحابنا فإنهم قالوا : ليس المراد بقوله ﴿لاَ تُبْطِلُواْ﴾ النهي عن إزالة هذا الثواب بعد ثبوته بل المراد به أن يأتي بهذا العمل باطلاً، وذلك لأنه إذا قصد به غير وجه الله تعالى فقد أتى به من الابتداء على نعت البطلان، واحتج أصحابنا على بطلان قول المعتزلة بوجوه من الدلائل :


الصفحة التالية
Icon