قوله تعالى :﴿لاَّ يَقْدِرُونَ على شَىْء مّمَّا كَسَبُواْ﴾
سؤال : الضمير في قوله ﴿لاَّ يَقْدِرُونَ﴾ إلى ماذا يرجع ؟
فيه قولان
أحدهما : أنه عائد إلى معلوم غير مذكور، أي لا يقدر أحد من الخلق على ذلك البذر الملقى في ذلك التراب الذي كان على ذلك الصفوان، لأنه زال ذلك التراب وذلك ما كان فيه، فلم يبق لأحد قدرة على الانتفاع بذلك البذر، وهذا يقوي الوجه الثاني في التشبيه الذي ذكره القفال رحمه الله تعالى، وكذا المان والمؤذي والمنافق لا ينتفع أحد منهم بعمله يوم القيامة
والثاني : أنه عائد إلى قوله ﴿كالذى يُنفِقُ مَالَهُ﴾ وخرج على هذا المعنى، لأن قوله ﴿كالذى يُنفِقُ مَالَهُ﴾ إنما أشير به إلى الجنس، والجنس في حكم العام، قال القفال رحمه الله :
وفيه وجه ثالث، وهو أن يكون ذلك مردوداً على قوله ﴿لاَ تُبْطِلُواْ صدقاتكم بالمن والأذى﴾ فإنكم إذا فعلتم ذلك لم تقدروا على شيء مما كسبتم، فرجع عن الخطاب إلى الغائب، كقوله تعالى :﴿حتى إِذَا كُنتُمْ فِى الفلك وجرين بِهِمُ﴾ [ يونس : ٢٢ ]. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ٤٨ ـ ٤٩﴾
سؤال : فإن قيل : كيف قال تعالى لا يقدرون بعد قوله كالذي ينفق ؟
أجيب : بأنه تعالى أراد بالذي ينفق الجنس أو الفريق الذي ينفق ولأن من والذي يتعاقبان فكأنه قيل كمن ينفق. أ هـ ﴿السراج المنير حـ ١ صـ ٢٧٩﴾
لطيفة
قال ابن عاشور :
وقوله :﴿لا يقدرون على شيء مما كسبوا﴾ أوقع موقعاً بديعاً من نظم الكلام تنهال به معانٍ كثيرة فهو بموقعه كان صالحاً لأن يكون حالاً من الذي ينفق ماله رئاء الناس فيكون مندرجاً في الحالة المشبّهة، وإجراء ضمير كسبوا ضمير جمع لتأويل الذي ينفق بالجماعة، وصالحاً لأن يكون حالاً من مثل صفوان باعتبار أنّه مثل على نحو ما جوّز في قوله تعالى :﴿أوكصيب من السماء﴾ [ البقرة : ١٩ ] إذ تقديره فيه كمثل ذوي صيّب فلذلك جاء ضميره بصيغة الجمع رعياً للمعنى وإن كان لفظ المعاد مفرداً، وصالحاً لأن يجعل استئنافاً بيانياً لأنّ الكلام الذي قبله يثير سؤال سائل عن مغبة أمر المشبّه، وصالحاً لأن يجعل تذييلاً وفذلكة لضرب المثل فهو عود عن بدء قوله :﴿لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى﴾ [ البقرة : ٢٦٤ ] إلى آخر الكلام.