وما أبدوه في تخصيص الأربعة وفي تعيينها لا تكاد تظهر حكمته فيما ذكروه، وما أجراه الله تعالى لأنبيائه من الخوارق مختلف، وحكمة اختصاص كل نبي بما أجرى الله له منها مغيبة عنا.
ألا ترى خرق العادة لموسى في أشياء، ولعيسى في أشياء غيرها، ولرسولنا محمد ﷺ وعليهم في أشياء لا يظهر لنا سر الحكمة في ذلك ؟ فكذلك كون هذه الأربعة من الطير، لا يظهر لنا سر حكمته في ذلك. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ٣١٠﴾
لطيفة
قال ابن عاشور :
وجيء بمن للتبعيض لدلالة على أنّ الأربعة مختلفة الأنواع، والظاهر أنّ حكمة التعدّد والاختلاف زيادة في تحقّق أنّ الإحياء لم يكن أهون في بعض الأنواع دون بعض، فلذلك عدّدت الأنواع، ولعلّ جعلها أربعة ليكون وضعُها على الجهات الأربع : المشرق والمغرب والجنوب والشمال لئلاّ يظنّ لبعض الجهات مزيد اختصاص بتأتي الإحياء، ويجوز أنّ المراد بالأربعة أربعة أجزاء من طير واحد فتكون اللام للعهد إشارة إلى طير حاضر، أي خذ أربعة من أجزائه ثم ادعهنّ، والسعي من أنواع المشي لا من أنواع الطيران، فجعل ذلك آية على أنَّهنّ أعيدت إليهن حياة مخالفة للحياة السابقة، لئلا يظن أنّهن لم يمتن تماماً. أ هـ ﴿التحرير والتنوير حـ ٣ صـ ٣٩ ـ ٤٠﴾
قوله تعالى :﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾
فصل
قال الفخر :
قرأ حمزة ﴿فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ﴾ بكسر الصاد، والباقون بضم الصاد، أما الضم ففيه قولان
الأول : أن من صرت الشيء أصوره إذا أملته إليه ورجل أصور أي مائل العنق، ويقال : صار فلان إلى كذا إذا قال به ومال إليه، وعلى هذا التفسير يحصل في الكلام محذوف، كأنه قيل : أملهن إليك وقطعهن، ثم اجعل على كل جبل منهن جزأ، فحذف الجملة التي هي قطعهن لدلالة الكلام عليه كقوله ﴿أَنِ اضرب بّعَصَاكَ البحر فانفلق﴾ على معنى : فضرب فانفلق لأن قوله ﴿ثُمَّ اجعل على كُلّ جَبَلٍ مّنْهُنَّ جزءاً﴾ يدل على التقطيع.