أما قوله تعالى :﴿ثُمَّ ادعهن يَأْتِينَكَ سَعْيًا﴾ فقيل عدواً ومشياً على أرجلهن، لأن ذلك أبلغ في الحجة، وقيل طيراناً وليس يصح، لأنه لا يقال للطير إذا طار : سعى، ومنهم من أجاب عنه بأن السعي هو الاشتداد في الحركة، فإن كانت الحركة طيراناً فالسعي فيها هو الاشتداد في تلك الحركة. أ هـ ﴿مفاتيح الغيب حـ ٧ صـ ٣٨﴾
وقال أبو حيان :
﴿ ثم ادعهنّ يأتينك سعياً ﴾ أمره بدعائهنّ وهنّ أموات، ليكون أعظم له في الآية، ولتكون حياتها متسببة عن دعائه، ولذلك رتب على دعائه إياهنّ إتيانهنّ إليه، والسعي هو : الإسراع في الشيء.
وقال الخليل : لا يقال سعى الطائر، يعنى على سبيل المجاز، فيقال : وترشيحه هنا هو أنه لما دعاهنّ فأتينه تنزلن منزلة العاقل الذي يوصف بالسعي، وكان إتيانهنّ مسرعات في المشي أبلغ في الآية، إذ اتيانهنّ إليه من الجبال يمشين مسرعات هو على خلاف المعهود لهنّ من الطيران، وليظهر بذلك عظم الآية، إذ أخبره أنهنّ يأتين على خلاف عادتهنّ من الطيران، فكان كذلك.
وجعل سيرهنّ إليه سعياً، إذ هو مشية المجد الراغب فيما يمشي إليه، لإظهار جدها في قصد إبراهيم، وإجابة دعوته.
وانتصاب : سعياً، على أنه مصدر في موضع الحال من ضمير الطيور، أي : ساعيات، وروي عن الخليل : أن المعنى يأتينك وأنت تسعى سعياً.
فعلى هذا يكون مصدراً لفعل محذوف، هو في موضع الحال من الكاف، وكان المعنى : يأتينك وأنت ساع إليهنّ، أي يكون منهنّ إتيان إليك، ومنك سعي إليهنّ، فتلتقي بهنّ.
والوجه الأول أظهر، وقيل : انتصب : سعياً، على أنه مصدر مؤكد لأن السعي والإتيان متقاربان. أ هـ ﴿البحر المحيط حـ ٢ صـ ٣١١﴾
سؤال : فإنْ قيل : فكيف أجيب إبراهيم إلى آيات الآخرة دون موسى في قوله :﴿ رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ ﴾ [ الأعراف : ١٤٣ ] فعنه جوابان :
أحدهما : أن ما سأله موسى لا يصح مع بقاء التكليف، وما سأله إبراهيم خاص يصح.


الصفحة التالية
Icon