وقال الناصر في " الانتصاف " : الأولى في هذه الآية أن يذكر فيها المختار في تفسيرها، من المباحث الممتحنة بالفكر المحرر، والنكت المفصحة بالرأي المخمر، فنقول : أما سؤال الخليل عليه السلام بقوله له :﴿ كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى ﴾ فليس عن شك، والعياذ بالله، في قدرة الله على الإحياء. ولكنه سؤال عن كيفية الإحياء. ولا يشترط في الإيمان الإحاطة بصورتها. فإنما هي طلب علم ما لا يتوقف الإيمان على علمه. ويدل على ذلك ورود السؤال بصيغة كيف وموضوعها السؤال عن الحال. ونظير هذا السؤال أن يقول القائل : كيف يحكم زيد في الناس ؟ فهو لا يشك أنه يحكم فيهم، ولكنه سأل عن كيفية حكمه، لا ثبوته. ولو كان الوهم قد يتلاعب ببعض الخاطر فيطرِّق إلى إبراهيم شكاً من هذه الآية. وقد قطع النبي عليه السلام دابر هذا الوهم بقوله :< نحن أحق بالشك من إبراهيم > أي : ونحن لم نشك، فلأن لا يشك إبراهيم أحرى وأولى. فإن قلت : إذا كان السؤال مصروفاً إلى الكيفية التي لا يضر عدم تصورها ومشاهدتها بالإيمان ولا تخلّ به، فما موقع قوله تعالى :﴿ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ﴾ ؟ قلت : قد وقعتُ لبعض الحذاق فيه على لطيفة، وهي أن هذه الصيغة تستعمل ظاهراً في السؤال عن الكيفية كما مر. وقد تستعمل في الاستعجاز. مثاله : أن يدعي مدعٍ أنه يحمل ثقلاً من الأثقال، وأنت جازم بعجزه عن حمله فتقول له : أرني كيف تحمل هذا ؟ فلما كانت هذه الصيغة قد يعرض لها هذا الاستعمال الذي أحاط علم الله تعالى بأن إبراهيم مبرأ منه - أراد بقوله :﴿ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ ﴾ أن ينطق إبراهيم بقوله :﴿ بَلَى ﴾ آمنت. ليدفع عنه ذلك الاحتمال اللفظي في العبارة الأولى.


الصفحة التالية
Icon