فالمراد التحذير عن حال الأول والندب إلى الارتقاء عن درجة الثاني إلى مقام الثالث الذي حقيقته الصدق في الإيمان لرجاء الحيازة مما أكرم به،
ولذلك عبر في قصته بقوله واذ ولم يسقها مساق التعجيب كالأول ﴿رب﴾ أي أيها المحسن إليّ ﴿أرني كيف تحيي الموتى﴾ قال الحرالي : طلب ما هو أهله بما قال تعالى ﴿وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض﴾ [ الأنعام : ٧٥ ] فمن ملكوت الأرض الإحياء،
فقرره سبحانه وتعالى على تحقيق ابتداء حاله من تقرر الإيمان فقال مستأنفاً :﴿قال﴾ ولما كان التقدير : ألم تعلم أني قادر على الإحياء لأني قادر على كل شيء عطف عليه قوله :﴿أو لم تؤمن﴾ فإن الإيمان يجمع ذلك كله ﴿قال بلى﴾ فتحقق أن طلبه كيفية الإحياء ليس عن بقية تثبت في الإيمان،
فكان في إشعاره أن أكثر طالبي الكيف في الأمور إنما يطلبونه عن وهن في إيمانهم،
ومن طلب لتثبت الإيمان مع أن فيما دون الكيف من الآيات كفايته لم ينتفع بالآية في إيمانه،
لأن كفايتها فيما دونه ولم يعل لليقين لنقص إيمانه عن تمام حده،
فإذا تم الإيمان بحكم آياته التي في موجود حكمة الله في الدنيا بيناته ترتب عليه برؤية ملكوت شهود الدنيا رتبة اليقين،
كما وجد تجربته أهل الكشف من الصادقين في أمر الله حيث أورث لهم اليقين،
ومتى شاركهم في أمر من رؤية الكشف أو الكرامات ضعيف الإيمان طلب فيه تأويلاً،
وربما كان عليه فتنة تنقصه مما كان عنده من حظ من إيمانه حتى ربما داخله نفاق لا ينفك منه إلا أن يستنقذه الله،
فلذلك أبدى تعالى خطاب تقريره لخليله ﷺ على تحقيق الإيمان ليصح الترقي منه إلى رتبة الإيقان،
وهو مثل نحو ما تقدم في مطلق قوله سبحانه وتعالى ﴿الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور﴾ [ البقرة : ٢٥٧ ] وذكر عن الخليل عليه الصلاة والسلام أنه نظر إلى بدن دابة توزعها دواب البحر ودواب البر وطير الهواء،


الصفحة التالية
Icon