والثاني : أنها واوُ الحالِ، دخلت عليها ألفُ التقرير، قال ابن عطية ؛ وفيه نظرٌ من حيث إنها إذا كانَتْ للحالِ، كانت الجملةُ بعدها في محلِّ نصبٍ، وإذا كانت كذلك، استدعَتْ ناصباً، وليس ثمَّ ناصبٌ في اللفظِ، فلا بُدَّ من تقديره ؛ والتقديرُ " أَسأَلْتَ وَلَمْ تُؤْمِنْ "، فالهمزةُ في الحقيقة، إِنما دخَلَتْ على العامل في الحالِ. وهذا ليس بظاهر، بل الظاهرُ الأَوَّلُ، ولذلك أُجيبت ببلى، وعلى ما قال ابنُ عطية يَعْسُر هذا المعنى.
وقوله :﴿ بلى ﴾ جوابٌ للجملة المنفيَّة، وإنْ صار معناه الإِثبات اعتباراً باللفظ لا بالمعنى، وهذا من قسم ما اعتبر فيه جانبُ اللفظِ دون المعنى، نحو :﴿ سَوَآءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ ﴾ [ البقرة : ٦ ] وقد تقدَّم تحقيقه واللهُ أَعْلَمُ.
قوله :﴿ لِّيَطْمَئِنَّ ﴾ اللامُ لامُ كَيْ، فالفعلُ منصوبٌ بعدها، بإضمار " أَنْ "، وهو مبنيٌّ لاتِّصاله بنون التوكيد واللامُ متعلِّقة بمحذوفٍ بعد " لكنْ " تقديرُه " ولكن سألتُكَ كيفية الإِحياء للاطمئنان، ولا بُدَّ من تقدير حذفٍ آخر، قبل " لكنْ " ؛ حتَّى يصحَّ معه الاستدراكُ، والتقديرُ : بلى آمنْتُ، وما سألتُ غير مؤمنٍ، ولكنْ سألتُ ليطمئِنَّ قَلْبي ليحصل الفرقُ بين المعلوم بالبرهان وبين المعلوم عياناً.
قال السُّدِّيُّ، وابن جبير :﴿ أَوَلَمْ تُؤْمِن ﴾ بأَنَّكَ خليلي ﴿ قَالَ بلى وَلَكِن لِّيَطْمَئِنَّ قَلْبِي ﴾ بالخُلَّةِ.
قوله :﴿ مِّنَ الطير ﴾ في متعلِّقه قولان :
أحدهما : أنه محذوفٌ لوقوع الجارِّ صفةً لأربعة، تقديره : أربعةً كائنةً من الطير.
والثاني : أنه متعلقٌ بخذ، أي : خذ من الطير.

فصل في لفظ " الصِّرِّ " في القرآن


قال أبو العبَّاس المقرئ : ورد لفظ الصِّرِّ في القرآن على ثلاثة أوجهٍ :


الصفحة التالية
Icon