ولعله لوح إليه بالتذكر في ختام هذه الآية ثم بقوله :﴿وما للظالمين من أنصار﴾ فصار كأنه قال سبحانه وتعالى : واعلم أن الله عزيز حكيم يؤتي الحكمة وهي العلم بالأشياء على ما هي عليه المزين بالعمل والعمل المتقن بالعلم ﴿من يشاء﴾ من عباده،
ثم مدح من حلاه بها فقال مشيراً ببناء الفعل للمفعول إلى أنها مقصودة في نفسها :﴿ومن يؤت الحكمة﴾ أي التي هي صفة من صفاته،
وأشار بالتعريف إلى كمالها بحسب ما تحتمله قوى العبيد،
والحكمة قوة تجمع أمرين : العلم المطابق وفعل العدل وهو العمل على وفق العلم.
قال الأصبهاني : والقرآن مملوء من الآيات الدالة على أن كمال الإنسان ليس إلا هاتين القوتين ﴿فقد أوتي خيراً كثيراً﴾ قال الحرالي ما معناه : إنه نكرة لما في الحكمة من التسبب الذي فيه كلفة ولو يسرت فكان الخير الكثير المعرف في الكلمة لما فيها من اليسر والحياطة والإنالة الذي لا ينال منه منال بسبب وإنما هو فضله يؤتيه من يشاء فيصير سبحانه وتعالى سمعه وبصره - إلى آخره.
ولما كان التقدير : فإن ذلك الذي أوتي الحكمة يصير ذا لبّ فيتأهل لأن يتذكر بما يلقيه الله سبحانه وتعالى من كلمته ما بثّ في الأنفس والآفاق من حكمته وصل به قوله :﴿وما يذكر﴾ أي بكلام الله سبحانه وتعالى حكمه ﴿إلا أولوا الألباب﴾ أي أصحاب العقول الصافية عن دواعي الهوى المنبعثة من التوهمات الحاصلة عن الوسوسة فهم يترقون بالتذكر بأنهم لا حول لهم عن المسببات إلى أسبابها إلى أن يصلوا إلى مسببها فيعرفوه حق معرفته.
وقال الحرالي : الذين لهم لب العقل الذي ينال لب الحس كأن الدنيا قشر تنال بظاهر العقل،
والآخرة لب تنال بلب العقل ظاهراً لظاهر وباطناً لباطن،
من تذكر ابتداء من الابتداءات السابقة ورد عليه فضل الله منه،
من رجع من حسه إلى نفسه تنشأت له أوصاف الفضائل النفسانية وترقى عما في محسوسه من المهاوي الشهوانية،