وقال يزيد بن أبي حبيب : إنما نزلت هذه الآية في الصدقة على اليهود والنصارى، فكان يأمر بقَسْم الزكاة في السرّ.
قال ابن عطيّة : وهذا مردود، لا سِيّما عند السلف الصالح ؛ فقد قال الطبريّ : أجمع الناس على أن إظهار الواجب أفضل.
قلت : ذكر الكِيَا الطبريّ أن في هذه الآية دلالة على قول إخفاء الصدقات مطلقاً أوْلى، وأنها حق الفقير وأنه يجوز لرب المال تفريقها بنفسه، على ما هو أحدُ قولي الشافعيّ.
وعلى القول الآخر ذكروا أن المراد بالصدقات هاهنا التطوع دون الفرض الذي إظهاره أوْلى لئلا يلحقَه تُهمة ؛ ولأجل ذلك قيل : صلاة النفل فُرَادَى أفضل، والجماعة في الفرض أبعد عن التُّهمَة.
وقال المَهْدَوِيّ : المراد بالآية فرض الزكاة وما تطوّع به، فكان الإخفاء أفضل في مدّة النبي ﷺ، ثم ساءت ظنون الناس بعد ذلك، فاستحسن العلماء إظهار الفرائض لئلا يُظَنَّ بأحد المنع.
قال ابن عطيّة : وهذا القول مخالف للآثار، ويشبه في زماننا أن يحسن التستر بصدقة الفرض، فقد كثر المانع لها وصار إخراجها عُرضة للرياء.
وقال ابن خُوَيزْ مَنْدَاد : وقد يجوز أن يراد بالآية الواجبات من الزكاة والتطوّع ؛ لأنه ذَكر الإخفاء ومدَحه والإظهار ومَدحه، فيجوز أن يتوجّه إليهما جميعاً.
وقال النقّاش : إن هذه الآية نسخها قوله تعالى :﴿الذين يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بالليل والنهار سِرّاً وَعَلاَنِيَةً﴾ [ البقرة : ٢٧٤ ] الآية. أ هـ ﴿تفسير القرطبى حـ ٣ صـ ٣٣٢ ـ ٣٣٤﴾
بحث نفيس للعلامة الفخر
قال رحمه الله :
اختلفوا في أن المراد بالصدقة المذكورة في هذه الآية : التطوع، أو الواجب، أو مجموعهما.
فالقول الأول : وهو قول الأكثرين : أن المراد منه صدقة التطوع، قالوا : لأن الإخفاء في صدقة التطوع أفضل، والإظهار في الزكاة أفضل، وفيه بحثان :